القرن والصور
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ٧٣﴾ سورة الأنعام:73
﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ٩٩﴾ سورة الكهف:99
﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ١٠٢﴾ سورة طه:102
﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ١٠١﴾ سورة المؤمنون:101
﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ٨٧﴾ سورة النمل:87
﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ٦٨﴾ سورة الزمر:68
﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ٢٠﴾ سورة ق:20
﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ١٣ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ١٤ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ١٥ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ١٦ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ١٧ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ١٨﴾ سورة الحاقة:13-18
﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ١٨
.٥٧٩٣٧- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «لَمّا فرغ اللهُ مِن خلق السماوات والأرض خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو واضِعُه على فِيه، شاخِصٌ ببصره إلى العرش، ينتظر متى يُؤمَر». قال أبو هريرة: يا رسول الله، وما الصور؟ قال: «قرن». قال: وكيف هو؟ قال: «قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات؛ الأولى: نفخة الفزع، والثانية: نفخة الصعق، والثالثة: نفخة القيام لرب العالمين؛ يأمر الله ﷿ إسرافيل بالنفخة الأولى، فيقول: انفخ نفخة الفزع. فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله، ويأمره الله فيديمها ويطولها فلا يفتر، وهي التي يقول الله: ﴿ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق﴾
فيسير الله الجبال فتكون سرابًا، وترج الأرض بأهلها رجًّا، وهي التي يقول الله: ﴿يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة﴾ [النازعات:٦-٧]. فتكون الأرض كالسفينة الموبقة في البحر تضربها الأمواج، تكفأ بأهلها، أو كالقنديل المُعَلَّق بالعرش، ترجحه الأرواح، فيميد الناس على ظهرها، فتُذْهِل المراضع، وتضع الحوامل، وتشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار، فتلقاها الملائكة، فتضرب وجوهها فترجع، ويولي الناس مدبرين، ينادي بعضهم بعضًا، وهو الذي يقول الله: ﴿يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد﴾
غافر:٣٢-٣٣]. فبينما هم على ذلك، إذ تصدَّعَتِ الأرضُ مِن قُطر إلى قُطْر، فرأوا أمرًا عظيمًا، وأخذهم لذلك مِن الكرب ما الله أعلم به، ثم نظروا إلى السماء فإذا هي كالمهل، ثم خُسِف شمسها، وخُسِف قمرها، وانتثرت نجومها، ثم كَشَطت عنهم». قال رسول الله ﷺ: «والأموات لا يعلمون بشيء مِن ذلك». فقال أبو هريرة: فمن [ثَمَّ] استثنى الله حين يقول: ﴿ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله﴾. قال: «أولئك الشهداء، وإنّما يَصِل الفزع إلى الأحياء، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون، وقاهم الله فزع ذلك اليوم وآمَنَهم، وهو عذاب الله يبعثه على شِرار خلقه، وهو الذي يقول: ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم﴾ إلى قوله: ﴿ولكن عذاب الله شديد﴾»(٧)٤٩١٠.
عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن جريج- قال: الصور: البوق. قال: هو البوق، صاحبه آخِذٌ به، يقبض قبضتين بكفيه على طرف القرن ٤٩٠٩، بين طرفه وبين فيه قدر قبضة أو نحوها، قد برك على ركبة إحدى رجليه، فأشار، فبرك على ركبة يساره مُقْعِيًا على قدمها، عقبها تحت فخذه وأليته، وأطراف أصابعها في التراب(٢). (ز)
تفسير قتادة بن دعامة -من طريق سعيد-: أنّ المنادي -وهو صاحب الصور- يُنادي مِن الصخرة مِن بيت المقدس(٤). (ز)
٥٧٩٣٦- عن أبي بكر بن عبد الله [بن محمد بن أبي سبرة] -من طريق حجاج- قال: الصور كهيئة القرن، قد حَجَنَ(٥) إحدى ركبتيه إلى السماء، وخفض الأخرى، لم يُلْقِ جفون عينيه على غُمْضٍ منذ خلق الله السموات، مستعدًا مستجدًا، قد وضع الصور على فيه ينتظر متى يؤمر أن ينفخ فيه(٦). (ز)
- عن عبد الله بن عمرو، قال: سُئِل النبي ﷺ عن الصُّور، فقال: «قرنٌ يُنفخُ فيه»(٧). (٦/٩٦
وقتادة بن دعامة -من طريق مطر الورّاق- قالا:﴿ونفخ في الصور﴾ [الزمر: ٦٨] نفخ في الروح
عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- أنّه قرأ: (يَوْمَ يُنفخُ فِي الصُّوَرِ). أي: في الخَلْق
- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «إنّ طرْفَ صاحب الصُّورِ مُذ وُكِّلَ به مستعد، ينظر نحو العرش، مخافةَ أن يؤمرَ قبل أن يَرْتَدُّ إليه طرفُه، كأن عينيه كوكبان دُرِّيّان»(١٥). (٦/٩٧)
٢٥٢٧٥- عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ: «كيف أنعَمُ وصاحبُ الصُّور قد التَقَم القرْن، وحنى جبهتَه، وأصغى بسمعِه، ينتظرُ متى يؤمر؟!». قالوا: كيف نقول، يا رسول الله؟ قال: «قولوا: حسبُنا الله ونعمَ الوكيل، على الله توكلنا»(١٦). (٦/٩٧)
٢٥٢٧٦- عن جابر، قال: قال رسول الله ﷺ: «كيف أنعَمُ وصاحب القَرْن قد التقَمه، وحنى جبهته، وأصغى بسمعه، ينتظرُ متى يؤمرُ فينفخُ؟!». قالوا: يا رسول الله، فما تأمرُنا؟ قال: «قولوا: حسبُنا الله ونعمَ الوكيل»(١٧). (٦/٩٨)
عن أبي سعيد، عن النبي ﷺ، قال: «كيف أنعَمُ وصاحبُ الصُّور قد التقَم القَرْنَ، وحنى الجبهة، وأصغى بالأُذن متى يؤمرُ فينفُخُ؟!». قالوا: فما نقول، يا رسول الله؟ قال: «قولوا: حسبُنا الله ونِعْمَ الوكيل، على الله توكلنا»(١٨). (٦/٩٨)
٢٥٢٧٨- عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله ﷺ: «لو أنّ أهلَ مِنًى اجتمعوا على أن يُقِلُّوا القرْنَ من الأرض ما أقلُّوه»(١٩). (٦/٩٦)
٢٥٢٧٩- عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله ﷺ: «ما يزالُ صاحِبا الصُّور مُمسِكَيْن بالصُّور، ينتظران متى يؤمَران»(٢٠). (٦/٩٧
عن أبي سعيد، عن النبي ﷺ، قال: «ما مِن صباحٍ إلا ومَلكان يُناديان، يقول أحدهما: اللَّهُمَّ، أعْطِ مُنفِقًا خَلَفًا. ويقول الآخر: اللَّهُمَّ، أعطِ مُمْسِكًا تَلَفًا. ومَلكان موكلان بالصُّور، ينتظران متى يُؤْمَران فينفُخان، وملكان يناديان: يا باغيَ الخير، هلمَّ. ويقول الآخر: يا باغيَ الشر، أقْصِر. وملكان يناديان، يقول أحدهما: ويلٌ للرجال من النساء، وويلٌ للنساء من الرجال»(٢١). (٦/٩٨)
٢٥٢٨١- عن عبد الله بن عمرو، عن النبي ﷺ، قال: «النافخان في السماء الثانية، رأسُ أحدِهما بالمشرق ورِجْلاه بالمغرب، ينتظران متى يُؤمَران أن ينفُخا في الصُّور فينفُخا»(٢٢). (٦/٩٩)
عن عبد الله بن الحارث، قال: كنتُ عندَ عائشة وعندَها كعبٌ الحَبْر، فذكَر إسرافيل، فقالت عائشة: أخبرني عن إسرافيل. فقال كعب: عندكم العِلْم. قالت: أجل، فأخبِرني. قال: له أربعة أجنحة؛ جناحان في الهواء، وجناحٌ قد تَسَرْبَل به، وجناح على كاهله، والقَلَمُ على أذنه، فإذا نزل الوحي كتب القلم، ثم دَرَسَت الملائكة، ومَلَك الصُّور جاثٍ على إحدى رُكبتَيه وقد نصَب الأُخرى، فالتقَم الصُّور، مَحنيٌّ ظهرُه، وقد أُمِر إذا رأى إسرافيل قد ضمَّ جَناحيه أن ينفخ في الصور. فقالت عائشة: هكذا سمعتُ رسول الله ﷺ يقول(٢٣). (٦/٩٩)
٢٥٢٨٣- قال يحيى بن سلّام: بلغني عن عبد الله بن مسعود قال: يقوم ملك بين السماء والأرض فينفخ فيه(٢٤). (ز)
عن أبي هريرة -من طريق محمد بن كعب القرظي- قال: تُجعل الأرواح في الصُّور، ثم يَنفُخ فيه صاحب الصُّور، فيذهب كل روح إلى جسده مثل النحل، فتدخل الأرواح في أجسادها(٢٥).(ز) (ز)
٢٥٢٨٥- عن عكرمة مولى ابن عباس -من طريق الحكم بن أبان- في قوله: ﴿ونفخ في الصور﴾ [الزمر: ٦٨] قال: الصور مع إسرافيل، وفيه أرواح كل شيء يكون فيه يوم ينفخ فيه نفخة الصعقة، فإذا نفخ فيه نفخة البعث قال الله ﷿: بعزتي لترجعنَّ كل روح إلى جسدها. قال: ودارة منها أعظم من سبع سماوات ومن الأرض، قال: فخلق الصور على إسرافيل، وهو شاخص ببصره إلى العرش متى يؤمر بالنفخ فينفخ في الصور(٢٦). (ز)
عن وهب بن منبِّه -من طريق عبد الصمد بن معقل- قال: خلق الله الصُّور من لؤلؤة بيضاء في صفاء الزجاجة، ثم قال للعرش: خُذِ الصور. فتَعلَّقَ به، ثم قال: كن. فكان إسرافيل، فأمره أن يأخُذ الصور، فأخذه، وبه ثَقْبٌ(٢٧) بعدد كلِّ روح مخلوقة ونفس منفوسة، لا تخرج رُوحان من ثقب واحد، وفي وسط الصور كَوَّةٌ(٢٨) كاستدارة السماء والأرض، وإسرافيل واضِعٌ فمه على تلك الكَوَّةِ، ثم قال له الربُّ تعالى: قد وكَّلتُك بالصور، فأنت للنفخة والصيحة. فدخل إسرافيل في مقدَّم العرش، فأدخل رجله اليمنى تحت العرش، وقدَّم اليسرى، ولم يَطْرِفْ منذ خلقه الله، ينتظرُ متى يُؤْمَرُ به(٢٩). (٦/١٠٠)
عن أبي بكر الهُذَلي، قال: إنّ مَلَكَ الصور وُكِّل به، إنّ إحدى قدَمَيه لفي الأرض السابعة، وهو جاثٍ على ركبتيه، شاخصٌ بصرُه إلى إسرافيل، ما طرَف منذُ خلقه الله تعالى، ينتظرُ متى يُشيرُ إليه فينفُخُ في الصور(٣٠). (٦/١٠٠)
عن معاذ بن جبل، قال: يا رسول الله، ما قول الله: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أفْواجًا﴾؟ فقال: «يا معاذ، سألتَ عن عظيم من الأمر». ثم أرسل عينيه، ثم قال: «عشرة أصناف قد ميّزهم الله مِن جماعة المسلمين، فبدَّل صورهم؛ فبعضهم على صورة القِردة، وبعضهم على صورة الخنازير، وبعضهم منكوسون، أرجلهم فوق وجوههم أسفل، يُسحبون عليها، وبعضهم عُمْيٌ يَتردّدون، وبعضهم صُمٌّ بُكمٌ لا يَعقلون، وبعضهم يَمضَغُون ألسنتهم وهي مُدلاة على صدورهم، يَسيل القِيح من أفواههم لُعابًا، يَقْذَرُهم أهل الجمع، وبعضهم مُقطّعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مُصلَّبون على جذوع من نار، وبعضهم أشدُّ نَتنًا مِن الجِيَف، وبعضهم يَلبسون جِبابًا سابغة من قَطِران لازقة بجلودهم، فأما الذين على صورة القِردة فالقتّات من الناس، وأما الذين على صورة الخنازير فأكَلة السُّحت، والمُنكّسون على وجوههم فأكَلة الربا، والعُمي مَن يَجُور في الحكم، والصُّمّ البُكم المُعجبون بأعمالهم، والذين
يَمضَغُون ألسنتهم فالعلماء والقصّاص مِن الذين يخالف قولهُم أعمالهَم، والمُقطّعة أيديهم وأرجلهم الذين يؤذون الجيران، والمُصلَّبون على جذوع من نار فالسُّعاة بالناس إلى السلطان، والذين هم أشد نَتنًا مِن الجِيَف الذين يتمتعون بالشهوات واللذات ويمنعون حقّ الله وحقّ الفقراء من أموالهم، والذين يَلبسون الجِباب فأهل الكِبْر والخُيلاء والفَخْر»(٢). (١٥/١٩٧)
٨٠٨٩٨- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- في قوله: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أفْواجًا﴾، قال: زُمَرًا زمَرًا(٣). (١٥/١٩٧)
قال مقاتل بن سليمان: ثم أخبرهم أيضًا، فقال: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾، وذلك أنّ إسرافيل ﵇ يَنفخ فيها، فيقول: أيّتها العظام البالية، وأيّتها العروق المُتقطّعة، وأيّتها اللحوم المُتمزّقة، وأيّتها الأشعار الساقطة، اجتمعنَّ لِنَنفخَ فيكم أرواحَكم، ونجازيكم بأعمالكم. ويُديم المَلَك الصوت، فتجتمع الأرواح كلّها في القَرْن، والقَرْن طوله طول السموات والأرض، فتَخرج أرواحهم مثل النّحل؛ سُود وبِيض، شقي وسعيد، أرواح المؤمنين بِيض كأمثال النّحل مِن السماء إلى وادٍ بدمشق يقال له: الجابية، وتَخرج أرواح الكفار مِن الأرض السُّفلى سُود إلى وادٍ بحضرموت يُقال له: بَرَهُوت، وكلّ روح أعرَف بجسد صاحبه مِن أحدكم إلى منزله ﴿فَتَأْتُونَ أفْواجًا﴾، ثم ينزل إسرافيل من فوق السماء السابعة، فيَجلس على صخرة بيت المقدس، فيَأخذ أرواح الكفار والمؤمنين ويَجعلهم في القَرْن، ودائرة القَرْن مسيرة خمسمائة عام، ثم يَنفخ في القَرْن، فتَطير الأرواح حتى تطبق ما بين السماء والأرض، فتَذهب كلّ روح، فتقع في جسد صاحبها، فيَخرج الناس من قبورهم فوجًا فوجًا، فذلك قوله: ﴿فَتَأْتُونَ أفْواجًا
يعني: زمرًا زمرًا، وفِرقًا فِرقًا، وأممًا أممًا
قال يحيى بن سلّام: قوله: ﴿يوم ينفخ في الصور﴾ والصور: قَرْنٌ ينفُخ فيه صاحبُ الصور، فينطلق كل روحٍ إلى جسده، تجعل الأرواح كلها في الصور، فإذا نفخ فيه خرجت الأرواح مثل النحل، كل روح إلى جسده، ﴿ونحشر المجرمين﴾ يعني: المشركين، هذا حشر إلى النار، ﴿يومئذ زرقا﴾(٤). (ز)
- عن عبد الله بن عباس، أنّ رجلًا أتاه، فقال: أرأيتَ قوله: ﴿ونحشر المجرمين يومئذ زرقا﴾، وأخرى: ﴿عميا﴾ [الإسراء:٩٧]. قال: إنّ يوم القيامة فيه حالات؛ يكونون في حال زُرْقًا، وفي حال عُمْيًا(١). (١٠/٢٣٨)
٤٨٢٨٠- قال إسماعيل السُّدِّيّ: ﴿ونحشر المجرمين﴾ يعني: بعد الحساب، نسوق المشركين إلى النار ﴿زرقا﴾ قال: مُسْوَدَّة وجوههم كالِحة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، خَلَقَ الصُّورَ فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيلَ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ، شَاخِصًا بصرَه إِلَى الْعَرْشِ، يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الصُّورُ؟ قَالَ "القَرْن". قُلْتُ: كَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: "عَظِيمٌ، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، إِنَّ عَظْمَ دَارَةَ فِيهِ كَعَرْضِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ. يُنْفَخُ فِيهِ ثَلَاثُ نَفَخَاتٍ: النَّفْخَةُ الْأُولَى نَفْخَةُ الْفَزَعِ، وَالثَّانِيَةُ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَالثَّالِثَةُ نَفْخَةُ الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى إِسْرَافِيلَ بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى، فَيَقُولُ. انْفُخْ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الْفَزَعِ، فَيَفْزَعُ أهل السموات [وَأَهْلُ](١٤) الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ. وَيَأْمُرُهُ فَيُدِيمُهَا وَيُطِيلُهَا وَلَا يَفْتُرُ، وَهِيَ كَقَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ [ص: ١٥] ، فَيُسَيِّرُ اللَّهُ الْجِبَالَ(١٥) فَتَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، فَتَكُونُ سَرَابًا".
ثُمَّ تَرْتَجُّ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا رَجَّةً فَتَكُونُ كَالسَّفِينَةِ الْمَرْمِيَّةِ(١٦) فِي الْبَحْرِ، تَضْرِبُهَا الْأَمْوَاجُ، تُكْفَأُ بِأَهْلِهَا كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ بِالْعَرْشِ، تُرَجْرِجُهُ(١٧) الرِّيَاحُ، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ(١٨) ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾ [النَّازِعَاتِ: ٦ -٨] ، فَيَميدُ النَّاسُ عَلَى ظَهْرِهَا، وَتُذْهَلُ الْمَرَاضِعُ، وَتَضَعُ الْحَوَامِلُ، وَتَشِيبُ الْوِلْدَانُ، وَتَطِيرُ الشَّيَاطِينُ هَارِبَةً مِنَ الْفَزَعِ، حَتَّى تَأْتِيَ الْأَقْطَارَ، فَتَأْتِيهَا الْمَلَائِكَةُ فَتَضْرِبُ وُجُوهَهَا، فَتَرْجِعُ، وَيُوَلِّي(١٩) النَّاسُ مُدْبِرِينَ مَا لَهُمْ مِنْ أمْر اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ، يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ التَّنَادِ﴾ [غَافِرٍ: ٣٢] .
فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، إِذْ تَصَدَّعَتِ(٢٠) الْأَرْضُ مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، فَرَأَوْا أَمْرًا عَظِيمًا لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ، وَأَخَذَهُمْ لِذَلِكَ مِنَ الْكَرْبِ وَالْهَوْلِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ، ثُمَّ نَظَرُوا(٢١) إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا هِيَ كالمُهْل، ثُمَّ انْشَقَّتْ(٢٢) فَانْتَشَرَتْ نُجُومُهَا، وَانْخَسَفَ(٢٣) شَمْسُهَا وَقَمَرُهَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "الْأَمْوَاتُ لَا يَعْلَمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ" قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، حِينَ يَقُولُ: ﴿فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ [النَّمْلِ: ٨٧] ، قَالَ: "أُولَئِكَ الشُّهَدَاءُ، وَإِنَّمَا يَصِلُ الْفَزَعُ إِلَى الْأَحْيَاءِ، وَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ(٢٤) يُرْزَقُونَ، وَقَاهُمُ اللَّهُ فَزَعَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَآمَنَهُمْ مِنْهُ، وَهُوَ عَذَابُ اللَّهِ يَبْعَثُهُ عَلَى شِرَارِ خَلْقِهِ"، قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج: ١، ٢] ، فَيَكُونُونَ فِي ذَلِكَ الْعَذَابِ مَا شَاءَ اللَّهُ، إِلَّا أَنَّهُ يَطُولُ.
ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ بِنَفْخَةِ الصَّعْقِ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الصَّعْقِ، فَيَصْعَقُ أَهْلَ السموات [وأهل](٢٥) الأرض إلا من شاء الله، فَإِذَا هُمْ قَدْ خَمِدُوا، وَجَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ مَاتَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شِئْتَ. فَيَقُولُ اللَّهُ -وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ -: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، بقيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا تَمُوتُ، وَبَقِيَتْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَبَقِيَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَبَقِيتُ أَنَا. فَيَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: لِيَمُتْ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ. فيُنْطِقُ اللَّهُ الْعَرْشَ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، يَمُوتُ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ!! فَيَقُولُ: اسْكُتْ، فَإِنِّي كَتَبْتُ الْمَوْتَ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ تَحْتَ عَرْشِي، فَيَمُوتَانِ. ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ [عَزَّ وَجَلَّ](٢٦) فَيَقُولُ يَا رَبِّ، قَدْ مَاتَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ. فَيَقُولُ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ](٢٧) -وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ -: فَمَنْ تَبَقَّى؟ فَيَقُولُ: بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا تَمُوتُ، وَبَقِيَتْ حَمْلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيتُ أَنَا. فَيَقُولُ اللَّهُ، [عَزَّ وَجَلَّ](٢٨) لِيَمُتْ حَمْلَةُ عَرْشي. فَيَمُوتُوا، وَيَأْمُرُ اللَّهُ الْعَرْشَ. فَيَقْبِضُ الصُّورَ مِنْ إِسْرَافِيلَ، ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ مَاتَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ. فَيَقُولُ اللَّهُ -وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ -:: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا تَمُوتُ، وَبَقِيتُ أَنَا. فَيَقُولُ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ]
أَنْتَ خَلْق مِنْ خَلْقِي، خَلَقْتُكَ لِمَا رَأَيْتَ، فمِت. فَيَمُوتُ. فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ الْأَحَدُ [الصَّمَدُ](٣٠) الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، كَانَ آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا طَوَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ طَيَّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ(٣١) ثُمَّ دَحَاهُمَا ثُمَّ يَلْقَفُهُمَا(٣٢) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْجَبَّارُ ثَلَاثًا. ثُمَّ هَتَفَ بِصَوْتِهِ: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَا يُجِيبُهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يَقُولُ لِنَفْسِهِ: ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غَافِرٍ: ١٦] ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ(٣٣) الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٤٨] ، فَيَبْسُطُهُمَا وَيَسْطَحُهُمَا، ثُمَّ يَمُدُّهُمَا مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ ﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا﴾
ثُمَّ يَزْجُرُ اللَّهُ الْخَلْقَ زَجْرَةً، فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الْمُبْدَّلَةِ مِثْلَ مَا كَانُوا فِيهَا مِنَ الْأُولَى، مَنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا كَانَ فِي بَطْنِهَا، وَمَنْ كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا، ثُمَّ يُنَزِّلُ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ](٣٤) عَلَيْهِمْ مَاءً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ، فَتُمْطِرُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، حَتَّى يَكُونَ الْمَاءُ فَوْقَهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعًا، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ الْأَجْسَادَ أَنْ تَنْبُتَ فَتَنْبُتُ كَنَبَاتِ الطَّرَاثِيثِ -أَوْ: كَنَبَاتِ الْبَقْلِ -حَتَّى إِذَا تَكَامَلَتْ أَجْسَادُهُمْ فَكَانَتْ كَمَا كَانَتْ، قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ليَحْيَا حملةُ عَرْشِي، فَيَحْيَوْنَ. وَيَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ فَيَأْخُذُ الصُّورَ، فَيَضَعُهُ عَلَى فِيهِ، ثُمَّ يَقُولُ: لِيَحْيَا جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، فَيَحْيَانِ، ثُمَّ يدعو الله الأرواح(٣٥) فَيُؤْتَى بِهَا تَتَوَهَّجُ أَرْوَاحُ الْمُسْلِمِينَ نُورًا، وَأَرْوَاحُ الْكَافِرِينَ ظُلْمَةً، فَيَقْبِضُهَا جَمِيعًا ثُمَّ يُلْقِيهَا فِي الصُّورِ.
ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ أَنْ يَنْفُخَ نَفْخَةَ الْبَعْثِ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الْبَعْثِ، فَتَخْرُجُ الْأَرْوَاحُ كَأَنَّهَا النَّحْلُ(٣٦) قَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَيَقُولُ [اللَّهُ](٣٧) وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَيَرْجِعَنَّ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهِ فَتَدْخُلُ الْأَرْوَاحُ فِي الْأَرْضِ إِلَى الْأَجْسَادِ، فَتَدْخُلُ فِي الْخَيَاشِيمِ، ثُمَّ تَمْشِي فِي الْأَجْسَادِ كَمَا يَمْشِي السُّمُّ فِي اللَّدِيغِ، ثُمَّ تَنْشَقّ الْأَرْضُ عَنْكُمْ(٣٨) وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقّ الْأَرْضُ عَنْهُ، فَتَخْرُجُونَ سِرَاعًا إِلَى رَبِّكُمْ تَنْسِلُونَ(٣٩) ﴿مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ [الْقَمَرِ: ٨] حَفَاة عُرَاة [غُلْفًا](٤٠) غُرْلا فَتَقِفُونَ(٤١) مَوْقِفًا وَاحِدًا مِقْدَارُهُ سَبْعُونَ(٤٢) عَامًا، لَا يُنْظَر إِلَيْكُمْ وَلَا يُقْضَى بَيْنَكُمْ، فَتَبْكُونَ حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ، ثُمَّ تَدْمَعُونَ(٤٣) دَمًا وتَعْرَقون حَتَّى يُلْجِمَكُمُ الْعَرَقُ، أَوْ يَبْلُغَ الْأَذْقَانَ، وَتَقُولُونَ(٤٤) مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَيَقْضِي بَيْنَنَا؟ فَتَقُولُونَ(٤٥) مَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ أَبِيكُمْ آدَمَ، خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَكَلَّمَهُ قُبُلًا؟ فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَطْلُبُونَ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَيَأْبَى، وَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ. فَيَسْتَقْرِءُونَ الْأَنْبِيَاءَ نَبِيًّا نَبِيًّا، كُلَّمَا جَاءُوا نَبِيًّا، أَبَى عَلَيْهِمْ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "حَتَّى يَأْتُونِي، فَأَنْطَلِقُ إِلَى(٤٦) الْفَحْصِ فأَخر سَاجِدًا" قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الفَحْص؟ قَالَ: "قُدَّامَ الْعَرْشِ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ إِلَيَّ مَلَكًا فَيَأْخُذُ بِعَضُدِي، وَيَرْفَعُنِي، فَيَقُولُ لِي: يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: مَا شَأْنُكَ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ فشَفعني فِي خَلْقِكَ، فَاقْضِ بَيْنَهُمْ. قَالَ [اللَّهُ](٤٨) قَدْ شَفَّعْتُكَ، أَنَا آتِيكُمْ أَقْضِي بَيْنَكُمْ".
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "فَأَرْجِعُ فَأَقِفُ مَعَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ وُقُوفٌ، إِذْ سَمِعْنَا حِسًّا مِنَ السَّمَاءِ شَدِيدًا، فَهَالَنَا فَنَزَلَ(٤٩) أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِمِثْلَيْ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ، أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ، وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ، وَقُلْنَا لَهُمْ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ قَالُوا: لَا وَهُوَ آتٍ.
ثُمَّ يَنْزِلُ [مِنْ](٥٠) أَهْلِ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ بِمِثْلَيْ مَنْ نَزَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَبِمِثْلَيْ مَنْ فِيهَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ، أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ، وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ، وَقُلْنَا لَهُمْ: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ فَيَقُولُونَ: لَا وَهُوَ آتٍ.
ثُمَّ يَنْزِلُونَ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيفِ، حَتَّى يَنْزِلَ الْجَبَّارُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي ظُلل مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةِ، فَيَحْمِلُ عَرْشَهُ(٥١) يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَةٌ -وَهُمُ الْيَوْمَ أربعة -أقدامهم في(٥٢) تخوم الأرض السفلى، وَالْأَرْضُ وَالسَّمَوَاتُ إِلَى
حُجْزَتَهم(٥٣) وَالْعَرْشُ عَلَى مَنَاكِبِهِمْ، لَهُمْ زَجَلٌ فِي تَسْبِيحِهِمْ، يَقُولُونَ: سُبْحَانَ ذِي الْعَرْشِ وَالْجَبَرُوتِ، سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، سُبْحَانَ الْحَيِّ الذِي لَا يَمُوتُ، سُبْحَانَ الذِي يُمِيتُ الْخَلَائِقَ وَلَا يَمُوتُ، سُبُّوح قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ، سُبْحَانَ رَبِّنَا الْأَعْلَى، رَبِّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، سُبْحَانَ رَبِّنَا الْأَعْلَى، الَّذِي يُمِيتُ الْخَلَائِقَ وَلَا يَمُوتُ، فَيَضَعُ اللَّهُ كُرْسِيَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ مِنْ أَرْضِهِ، ثُمَّ يَهْتِفُ بِصَوْتِهِ(٥٤) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، إِنِّي قَدْ أَنْصَتُّ لَكُمْ مُنْذُ خَلَقْتُكُمْ إِلَى يَوْمِكُمْ هَذَا، أَسْمَعُ قَوْلَكُمْ وَأُبْصِرُ أَعْمَالَكُمْ، فَأَنْصِتُوا إِلَيَّ، فَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ وَصُحُفُكُمْ تُقْرَأُ عَلَيْكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمِنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.
ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ جَهَنَّمَ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ [مُظْلِمٌ]
سَاطِعٌ، ثُمَّ يَقُولُ: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ * هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ -أَوْ: بِهَا(٥٦) تُكَذِّبُونَ -شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ - ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ [يس: ٦٠ -٦٤] فَيُمَيِّزُ اللَّهُ النَّاسَ وَتَجْثُو الْأُمَمُ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الْجَاثِيَةِ: ٢٨] فَيَقْضِي اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، بَيْنَ خَلْقِهِ، إِلَّا الثَّقَلَيْنِ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، فَيَقْضِي بَيْنَ الْوَحْشِ(٥٧) وَالْبَهَائِمِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَقْضِي لِلْجَمَّاءِ مِنْ ذَاتِ الْقَرْنِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ تَبْقَ تَبِعَةٌ عِنْدَ وَاحِدَةٍ لِلْأُخْرَى قَالَ اللَّهُ [لَهَا](٥٨) كَوْنِي تُرَابًا. فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ: ﴿يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾ [النَّبَأِ: ٤٠]
ثُمَّ يَقْضِي اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ](٥٩) بَيْنَ الْعِبَادِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا يَقْضِي فِيهِ الدِّمَاءُ، وَيَأْتِي كُلُّ قَتِيلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَيَأْمُرُ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ](٦٠) كُلَّ قتيل فيحمل رأسه تَشْخُب أو داجه يَقُولُ: يَا رَبِّ، فِيمَ قَتَلَنِي هَذَا؟ فَيَقُولُ -وَهُوَ أَعْلَمُ
فِيمَ قَتَلْتَهُمْ؟ فَيَقُولُ: قَتَلْتُهُمْ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: صَدَقْتَ. فَيَجْعَلُ اللَّهُ وَجْهَهُ مِثْلَ نُورِ الشَّمْسِ، ثُمَّ تَمُرُّ بِهِ الْمَلَائِكَةُ إِلَى الْجَنَّةِ.
وَيَأْتِي كُلُّ مَنْ قُتل عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ يَحْمِلُ رَأْسَهُ وَتَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، [فِيمَ](٦١) قَتَلَنِي هَذَا؟ فَيَقُولُ -وَهُوَ أَعْلَمُ -: لِمَ قَتَلْتَهُمْ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَتَلْتُهُمْ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ وَلِي. فَيَقُولُ: تَعِسْتَ. ثُمَّ لَا تَبْقَى نَفْسٌ قَتَلَهَا إِلَّا قُتِلَ بِهَا، وَلَا مَظْلَمَةٌ ظَلَمَهَا إِلَّا أُخِذَ بِهَا، وَكَانَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَحِمَهُ.
ثُمَّ يَقْضِي اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ مَنْ بَقِيَ(٦٢) مِنْ خَلْقِهِ حَتَّى لَا تَبْقَى مَظْلَمَةٌ لِأَحَدٍ عِنْدَ أَحَدٍ إِلَّا أَخَذَهَا [اللَّهُ](٦٣) لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُكَلِّفُ شَائِبَ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَبِيعُهُ أَنْ يخلص اللبن من الماء.
فَإِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، نَادَ مُنَادٍ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ كُلَّهُمْ: أَلَا لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِآلِهَتِهِمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ. فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ عَبَدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلَّا مُثِّلَتْ لَهُ آلِهَتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُجْعَلُ يَوْمَئِذٍ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى صُورَةِ عُزَير وَيُجْعَلُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى صُورَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ. ثُمَّ يَتْبَعُ هَذَا الْيَهُودُ وَهَذَا النَّصَارَى، ثُمَّ قَادَتْهُمْ آلِهَتُهُمْ إِلَى النَّارِ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ [تَعَالَى](٦٤) ﴿لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٩٩] .
فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ فِيهِمُ الْمُنَافِقُونَ، جَاءَهُمُ اللَّهُ فِيمَا شَاءَ مِنْ هَيْئَتِهِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ذَهَبَ النَّاسُ فَالْحَقُوا بِآلِهَتِكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا لَنَا إِلَهٌ إِلَّا اللَّهُ، وَمَا كُنَّا نَعْبُدُ غَيْرَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي يَأْتِيهِمْ فَيَمْكُثُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ يَأْتِيهِمْ فَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ذَهَبَ النَّاسُ فَالْحَقُوا بِآلِهَتِكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا لَنَا إِلَهٌ إِلَّا اللَّهُ وَمَا كُنَّا نَعْبُدُ غَيْرَهُ، فَيَكْشِفُ لَهُمْ عَنْ سَاقِهِ، وَيَتَجَلَّى لَهُمْ مِنْ عَظَمَتِهِ مَا يَعْرِفُونَ أَنَّهُ رَبُّهُمْ، فَيَخِرُّونَ سُجَّدًا عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَيَخِرُّ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلَى قَفَاهُ، وَيَجْعَلُ اللَّهُ أَصْلَابَهُمْ كَصَيَاصِي الْبَقَرِ. ثُمَّ يَأْذَنُ اللَّهُ لَهُمْ فَيَرْفَعُونَ، وَيَضْرِبُ اللَّهُ الصِّرَاطَ بَيْنَ ظَهَرَانَي جَهَنَّمَ كَحَدِّ الشَّفْرَةِ -أَوْ: كَحَدِّ السَّيْفِ -عَلَيْهِ كَلَالِيبُ وَخَطَاطِيفُ وَحَسَكٌ كَحَسَكِ السَّعْدَانِ، دُونَ جِسْرِ دَحْضٍ مَزَلَّةٍ، فَيَمُرُّونَ كَطَرْفٍ الْعَيْنِ، أَوْ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، أَوْ كَمَرِّ الرِّيحِ او كَجِيَادِ الْخَيْلِ، أَوْ كَجِيَادِ الرِّكَابِ، أَوْ كَجِيَادِ الرِّجَالِ. فَنَاجٍ سَالِمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمُكَرْدَسٌ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَهَنَّمَ.
فَإِذَا أَفْضَى أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ، قَالُوا: مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَنَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ فَيَقُولُونَ: مَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ أَبِيكُمْ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَكَلَّمَهُ قُبُلًا؟ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَطْلُبُونَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَذْكُرُ ذَنْبًا وَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِنُوحٍ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ رُسُلِ اللَّهِ. فَيُؤْتَى نُوحٌ فيُطْلَب ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَذْكُرُ ذَنْبًا وَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَيَقُولُ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا. فَيُؤْتَى إِبْرَاهِيمُ، فيُطْلَب ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَذْكُرُ ذَنْبًا وَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّ اللَّهَ قَرَّبَهُ نَجيّا، وَكَلَّمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاةَ. فَيُؤْتَى مُوسَى، فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَذْكُرُ ذَنْبًا وَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِرُوحِ اللَّهِ وَكَلِمَتِهِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ.
فَيُؤْتَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِكُمْ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "فَيَأْتُونِي -وَلِي عِنْدَ رَبِّي ثَلَاثُ شَفَاعَاتٍ [وَعَدَنِهِنَّ]
فَأَنْطَلِقُ فَآتِي الْجَنَّةَ، فَآخُذُ بحلَقَة الْبَابِ، فَأَسْتَفْتِحُ فَيُفْتَحُ لِي، فَأُحَيَّى وَيُرَحَّبُ بِي. فَإِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَنَظَرْتُ إِلَى رَبِّي خَرَرْتُ سَاجِدًا، فَيَأْذَنُ اللَّهُ لِي مِنْ حَمْدِهِ وَتَمْجِيدِهِ بِشَيْءٍ مَا أَذِنَ بِهِ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعَ، وَسَلْ تُعْطَهْ. فَإِذَا رَفَعْتُ رَأْسِي يَقُولُ اللَّهُ -وَهُوَ أَعْلَمُ -: مَا شَأْنُكَ؟ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ، فَشَفِّعْنِي فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: قَدْ شَفَّعْتُكَ وَقَدْ أذنت لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ".
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ فِي الدُّنْيَا بِأَعْرَفَ بِأَزْوَاجِكُمْ وَمَسَاكِنِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِأَزْوَاجِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ، فَيَدْخُلُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً، سَبْعِينَ مِمَّا يُنْشِئُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وَثِنْتَيْنِ آدَمِيَّتَيْنِ مَنْ وَلَدِ آدَمَ، لَهُمَا فَضْلٌ عَلَى مَنْ أَنْشَأَ اللَّهُ، لِعِبَادَتِهِمَا اللَّهَ فِي الدُّنْيَا. فَيَدْخُلُ عَلَى الْأُولَى فِي غُرْفَةٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ، عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلٍ بِاللُّؤْلُؤِ، عَلَيْهَا سَبْعُونَ زَوْجًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ، ثُمَّ إِنَّهُ يَضَعُ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى يَدِهِ مِنْ صَدْرِهَا، وَمِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا وَجِلْدِهَا وَلَحْمِهَا، وَإِنَّهُ لَيَنْظُرُ إِلَى مُخّ سَاقِهَا كَمَا يَنْظُرُ أَحَدُكُمْ إِلَى السِّلْكِ فِي قَصَبَةِ الْيَاقُوتِ، كَبِدُهَا لَهُ مِرْآةٌ، وَكَبِدُهُ لَهَا مِرْآةٌ. فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَهَا لَا يَمَلُّهَا وَلَا تَمَلُّهُ، مَا يَأْتِيهَا مِنْ مَرَّةٍ إِلَّا وَجَدَهَا عَذْرَاءَ، مَا يَفْترُ ذَكَرَهُ، وَمَا تَشْتَكِي(٦٦) قُبُلَهَا. فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ نُودِيَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا أَنَّكَ لَا تَمَلُّ وَلَا تُمَلُّ، إِلَّا أَنَّهُ لَا مَني وَلَا مَنِية إِلَّا أَنَّ لَكَ أَزْوَاجًا غَيْرَهَا. فَيَخْرُجُ فَيَأْتِيهِنَّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا أَتَى(٦٧) وَاحِدَةً [لَهُ](٦٨) قَالَتْ: لَهُ وَاللَّهِ مَا أَرَى فِي الْجَنَّةِ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْكَ، وَلَا فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ.
وَإِذَا وَقَعَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ، وَقْعَ فِيهَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ رَبِّكَ أَوْبَقَتْهُمْ أَعْمَالُهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُ النَّارُ قَدَمَيْهِ لَا تُجَاوِزُ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حِقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُ جَسَدَهُ كُلَّهُ، إِلَّا وَجْهَهُ حَرَّمَ اللَّهُ صُورَتَهُ عَلَيْهَا". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "فَأَقُولُ يَا رَبِّ، مَنْ وَقَعَ فِي النَّارِ مِنْ أُمَّتِي. فَيَقُولُ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ، فَيَخْرُجُ أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ. ثُمَّ يَأْذَنُ اللَّهُ فِي الشَّفَاعَةِ فَلَا يَبْقَى نَبِيٌّ وَلَا شَهِيدٌ إِلَّا شَفَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: أَخْرِجُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ زِنَةَ الدِّينَارِ إِيمَانًا. فَيَخْرُجُ أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ يُشَفِّعُ اللَّهُ فَيَقُولُ: أَخْرِجُوا مَنْ [وَجَدْتُمْ](٦٩) فِي قَلْبِهِ إِيمَانًا ثُلُثَيْ دِينَارٍ. ثُمَّ يَقُولُ: ثُلُثَ دِينَارٍ. ثُمَّ يَقُولُ: رُبُعَ دِينَارٍ. ثُمَّ يَقُولُ: قِيرَاطًا. ثُمَّ يَقُولُ: حَبَّةً مِنْ خَرْدَلٍ. فَيَخْرُجُ أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَحَتَّى لَا يَبْقَى فِي النَّارِ مَنْ عَمِلَ لِلَّهِ خَيْرًا قَطُّ، وَلَا يَبْقَى أَحَدٌ لَهُ شَفَاعَةٌ إِلَّا شَفَعَ، حَتَّى إِنَّ إِبْلِيسَ لَيَتَطَاوَلُ مِمَّا يَرَى مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ رَجَاءَ أَنْ يُشْفَعَ لَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: بَقِيتُ وَأَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَيُدْخِلُ يَدَهُ فِي جَهَنَّمَ فَيُخْرِجُ مِنْهَا مَا لَا يُحْصِيهِ غَيْرُهُ، كَأَنَّهُمْ حُمَم، فَيُلْقَوْنَ عَلَى نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ: نَهْرُ الْحَيَوَانِ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ مَا يَلْقَى الشَّمْسَ مِنْهَا أُخَيْضِرُ، وَمَا يَلِي الظِّلَّ مِنْهَا أُصَيْفِرُ، فَيَنْبُتُونَ كَنَبَاتِ الطَّرَاثِيثِ، حَتَّى يَكُونُوا أَمْثَالَ الذَّرِّ، مَكْتُوبٌ فِي رِقَابِهِمْ: "الجُهَنَّمِيُّون عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ"، يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ بِذَلِكَ الْكِتَابِ، مَا عَمِلُوا خَيْرًا لِلَّهِ قَطُّ، فَيَمْكُثُونَ فِي الْجَنَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَذَلِكَ الْكِتَابُ فِي رِقَابِهِمْ، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا امْحُ عَنَّا هَذَا الْكِتَابَ، فَيَمْحُوهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَنْهُمْ".عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: ثُمَّ قَالَ: " كُنْ فَيَكُونُ، فَكَوَّنَ الصُّورَ وَهُوَ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ بَيْضَاءَ فِي صَفَاءِ الزُّجَاجَةِ وَلَهُ أَرْبَعُ شُعَبٍ: شُعْبَةٌ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَشُعْبَةٌ فِي ثَرَاءِ الثَّرَاءِ، وَشُعْبَةٌ فِي مَشْرِقِ الْمَشْرِقِ، وَشُعْبَةٌ فِي مَغْرِبِ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ قَالَ لِلْعَرْشِ: خُذِ الصُّورَ، فَتَعَلَّقَ بِالْعَرْشِ، ثُمَّ قَالَ: كُنْ، فَكَوَّنَ إِسْرَافِيلَ وَهُوَ مِنْ أَقْرَبِ الْمَلَائِكَةِ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصُّورَ فَأَخَذَهُ وَفِيهِ ثُقْبٌ بِعَدَدِ كُلِّ رُوحٍ مَبْدُوَّةٍ، وَكُلِّ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، لَا يَخْرُجُ رُوحَانِ مِنْ ثَقْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا جِسْمَانِ يَدْخُلَانِ فِي ثَقْبٍ، بَلْ كُلُّ ثَقْبٍ لِصَغِيرِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ، وَلِخَلِيلِ الْخَلِيلِ الَّذِي لَا يُوصَفُ وَفِي وَسَطِ الصُّورِ
كُوَّةٌ كَاسِتْدَارَةِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَإِسْرَافِيلُ وَاضِعٌ فَمَهُ عَلَى تِلْكَ الْكُوَّةِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ وَكَّلْتُكَ بِالصُّورِ فَأَنْتَ لِلنَّفْخَةِ وَالصَّيْحَةِ، فَدَخَلَ إِسْرَافِيلُ فِي مُقَدَّمِ الْعَرْشِ فَأَدْخَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ الْعَرْشِ، وَقَدَّمَ الْيُسْرَى وَلَمْ يَطْرِفْ مُذْ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَنْتَظِرُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ ⦗٨٤٢⦘ وَالْعَرْشُ عَلَى كَاهِلِهِ، وَاللَّوْحُ يَقْرَعُ جَبْهَتَهُ "
عَنْ عِكْرِمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [الزمر: ٦٨] قَالَ: " الصُّورُ مَعَ إِسْرَافِيلَ، وَفِيهِ أَرْوَاحُ كُلِّ شَيْءٍ يَكُونُ فِيهِ يَوْمَ يَنْفُخُ فِيهِ نَفْخَةَ الصَّعْقَةِ، فَإِذَا نَفَخَ فِيهِ نَفْخَةَ الْبَعْثِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: بِعِزَّتِي لَتَرْجِعَنَّ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهَا. قَالَ: وَدَارَةٌ مِنْهَا أَعْظَمُ مِنْ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ، قَالَ: فَخَلَقَ الصُّورَ عَلَى إِسْرَافِيلَ وَهُوَ شَاخِصٌ بِبَصَرِهِ إِلَى الْعَرْشِ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ فِي الصُّورِ "
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا طَرَفَ صَاحِبُ الصُّورِ مُذْ وُكِّلَ ⦗٨٤٤⦘ بِهِ، مُسْتَعِدٌّ يَنْظُرُ نَحْوَ الْعَرْشِ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُهُ، كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ» .
وُهَيْبَ بْنَ الْوَرْدِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: «بَلَغَنِي أَنَّ أَقْرَبَ الْخَلْقِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِسْرَافِيلُ الْعَرْشُ عَلَى كَاهِلِهِ» . قَالَ: " فَإِذَا نَزَلَ الْوَحْي دُلِّيَ لَوْحٌ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، قَالَ: فَيَقْرَعُ جَبْهَةَ إِسْرَافِيلَ فَيَنْظُرُ فِيهِ فَيَدْعُو جِبْرِيلَ فَيُرْسِلُهُ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَتَى بإِسْرَافِيلَ - قَالَ مُؤَمَّلٌ: هَكَذَا حِفْظِي: إِسْرَافِيلَ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: اللَّوْحُ تَرْعَدُ فَرَائِصُهُ - فَيُقَالُ: مَا صَنَعْتَ فِيمَا أَدَّى إِلَيْكَ اللَّوْحُ؟ فَيَقُولُ: بَلَّغْتُ جِبْرِيلَ. فَيُدْعَى جِبْرِيلُ تَرْعَدُ فَرَائِصُهُ فَيُقَالُ: مَا صَنَعْتَ فِيمَا بَلَّغَكَ إِسْرَافِيلُ؟ فَيَقُولُ: بَلَّغْتُ الرُّسُلَ. فَيُؤْتَى بِالرُّسُلِ تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمْ فَيُقَالُ: مَا صَنَعْتُمْ فِيمَا أَدَّى إِلَيْكُمْ جِبْرِيلُ؟ فَيَقُولُونَ: بَلَّغْنَا النَّاسَ. قَالَ: فَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: ٦] إِلَى قَوْلِهِ {وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} [الأعراف: ٧]
عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا إِسْرَافِيلُ، هَاتِ مَا وَكَّلْتُكَ بِهِ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ فِي الصُّورِ كَذَا وَكَذَا ثُقْبَةً، وَكَذَا وَكَذَا رُوحًا، لِلْإِنْسِ مِنْهَا كَذَا وَكَذَا، وَلِلْجِنِّ مِنْهَا كَذَا وَكَذَا، وِلْلشَّيَاطِينِ مِنْهَا كَذَا وَكَذَا، وَلِلْوُحُوشِ مِنْهَا كَذَا وَكَذَا، وَلِلطَّيْرِ كَذَا، وَمِنْهَا كَذَا وَكَذَا لِلْحِيتَانِ، وَلِلْبَهَائِمِ مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وَلِلْهَوَامِّ مِنْهَا كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: خُذْهُ مِنَ اللَّوْحِ فَإِذَا هُوَ مِثْلًا بِمِثْلٍ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَاتِ مَا وَكَّلْتُكَ بِهِ يَا مِيكَائِيلُ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ أَنْزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ كَذَا وَكَذَا كَيْلَةً كَذَا وَكَذَا مِثْقَالًا وَزِنَةَ كَذَا وَكَذَا مِثْقَالًا وَزِنَةَ كَذَا وَكَذَا قِيرَاطًا وَزِنَةَ كَذَا وَكَذَا خَرْدَلَةً وَزِنَةَ كَذَا وَكَذَا ذَرَّةً، أَنْزَلْتُ فِي سَنَةِ كَذَا وَكَذَا، وَفِي شَهْرِ كَذَا ⦗٨٤٨⦘ وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، وَفِي جُمُعَةِ كَذَا وَكَذَا، وَفِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا لِلزَّرْعِ كَذَا وَكَذَا وَأَنْزَلْتُ مِنْهُ لِلشَّيَاطِينِ كَذَا وَكَذَا فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، وَأَنْزَلْتُ لِلْإِنْسِ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، وَأَنْزَلْتُ لِلْبَهَائِمِ كَذَا وَكَذَا وَزِنَةَ كَذَا وَكَذَا، وَأَنْزَلْتُ لِلْوُحُوشِ كَذَا وَكَذَا وَزِنَةَ كَذَا، وَكَذَا، ولِلطَّيْرِ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا، وَلِلْبَادِ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا، وَلِلْحِيتَانِ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا وَلِلْهَوَامِّ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ: خُذْهُ مِنَ اللَّوْحِ، فَإِذَا هُوَ مِثْلًا بِمِثْلٍ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا جِبْرِيلُ هَاتِ مَا وَكَّلْتُكَ بِهِ، فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ أَنْزَلْتُ عَلَى نَبِيِّكَ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا آيَةً فِي شَهْرِ كَذَا وَكَذَا فِي جُمُعَةِ كَذَا وَكَذَا فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، وَأَنْزَلْتُ عَلَى نَبِيِّكَ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا آيَةً وَعَلَى نَبِيِّكَ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا سُورَةً فِيهَا كَذَا وَكَذَا آيَةً، فَذَلِكَ كَذَا وَكَذَا أَحْرُفًا، وَأَهْلَكْتُ كَذَا وَكَذَا مَدِينَةً، وَخَسَفْتُ بِكَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: خُذْهُ مِنَ اللَّوْحِ فَإِذَا هُوَ مِثْلًا بِمِثْلٍ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، ثُمَّ يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: هَاتِ مَا وَكَّلْتُكَ بِهِ يَا عِزْرَائِيلُ. فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ قَبَضْتُ رُوحَ كَذَا وَكَذَا إِنَسِيٍّ وَكَذَا وَكَذَا جِنِّيٍّ، وَكَذَا وَكَذَا شَيْطَانٍ وَكَذَا وَكَذَا غَرِيقٍ، وَكَذَا وَكَذَا حَرِيقٍ، وَكَذَا وَكَذَا كَافِرٍ، وَكَذَا وَكَذَا شَهِيدٍ ⦗٨٤٩⦘ وَكَذَا وَكَذَا هَدِيمٍ وَكَذَا وَكَذَا لَدِيغٍ وَكَذَا وَكَذَا فِي سَهْلٍ، وَكَذَا وَكَذَا فِي جَبَلٍ، وَكَذَا وَكَذَا طَيْرٍ، وَكَذَا وَكَذَا هَوَامَّ، وَكَذَا وَكَذَا وَحْشٍ فَذَلِكَ كَذَا، وَكَذَا جُمْلَتُهُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ: خُذْهُ مِنَ اللَّوْحِ فَإِذَا هُوَ مِثْلًا بِمِثْلٍ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ فَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلِمَ قَبْلَ أَنْ يَكْتُبَ وَأَحْكَمَ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: ٣]