في لوح محفوظ
عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ قَالَ: إِنَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ فِي جَبْهَةِ إِسْرَافِيلَ(٧)
أَنَّ أَبَا الأعْيَس-هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلْمَان-قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ قَضَى اللَّهُ-الْقُرْآنُ فَمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ-إِلَّا وَهُوَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. وَاللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ بَيْنَ عَيْنَيْ إِسْرَافِيلَ، لَا يُؤْذَنُ لَهُ بِالنَّظَرِ فِيهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْمَجِيدَ عِنْدَ اللَّهِ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ، يُنَزِّلُ مِنْهُ مَا يَشَاءُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّهُ فِي صَدْرِ اللَّوْحِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، دِينُهُ الْإِسْلَامُ، وَمُحَمَّدٌ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَ بِوَعْدِهِ وَاتَّبَعَ رُسُلَهُ، أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ. قَالَ: وَاللَّوْحُ لَوْحٌ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، طُولُهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَعَرْضُهُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَحَافَّتَاهُ الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ، وَدَفَّتَاهُ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ، وَقَلَمُهُ نُورٌ، وَكَلَامُهُ مَعْقُودٌ بِالْعَرْشِ، وَأَصْلُهُ فِي حِجْرِ مَلَكٍ(٩) .
قَالَ مُقَاتِلٌ: اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لَوْحًا مَحْفُوظًا مِنْ دُرَّة بَيْضَاءَ، صَفَحَاتُهَا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، قَلَمه نُورٌ وَكِتَابُهُ نُورٌ، لِلَّهِ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةُ لَحْظَةٍ، يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَيُمِيتُ وَيُحْيِي، ويُعِزُّ ويُذِلُّ، وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ"
(فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) أَيْ مَكْتُوبٍ فِي لَوْحٍ. وَهُوَ مَحْفُوظٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ وُصُولِ الشَّيَاطِينِ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: هُوَ أُمُّ الْكِتَابِ، وَمِنْهُ انْتُسِخَ الْقُرْآنُ وَالْكُتُبُ. وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" اللَّوْحُ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، أَعْلَاهُ مَعْقُودٌ بِالْعَرْشِ وَأَسْفَلُهُ فِي حِجْرِ مَلَكٍ يُقَالُ لَهُ مَاطِرْيُونَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ"
وَقِيلَ: اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ الَّذِي فِيهِ أصناف الخلق والخليقة، وبيان أمورهم، وذكر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم والأقضية النافذة فيهم ومآل عواقب أُمُورِهِمْ، وَهُوَ أُمُّ الْكِتَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أول شي كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ "إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، مُحَمَّدٌ رَسُولِي، مَنِ اسْتَسْلَمَ لِقَضَائِي، وَصَبَرَ عَلَى بَلَائِي، وَشَكَرَ نَعْمَائِي، كَتَبْتُهُ صِدِّيقًا وَبَعَثْتُهُ مَعَ الصِّدِّيقِينَ، ومن لم يستسلم لقضائي وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي، وَلَمْ يَشْكُرْ نَعْمَائِي، فَلْيَتَّخِذْ إِلَهًا سِوَايَ".
وَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى مُحَمَّدِ ابن الْحَنَفِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَتَوَعَّدُهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: "بَلَغَنِي
فَلَعَلَّ نَظْرَةً مِنْهَا تَشْغَلُكَ بِنَفْسِكَ، فَتَشْتَغِلُ بِهَا وَلَا تَتَفَرَّغُ"
وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: اللَّوْحُ شي يلوح للملائكة فيقرءونه.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ فِي صَدْرِ اللَّوْحِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، دِينُهُ الْإِسْلَامُ، وَمُحَمَّدٌ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَصَدَّقَ بِوَعْدِهِ وَاتَّبَعَ رُسُلَهُ أَدْخَلَهُ
ومن البصريين أبو عمرو ﴿محفوظٍ﴾ خفضًا على معنى أن اللوح هو المنعوت بالحفظ. وإذا كان ذلك كذلك كان التأويل: في لوح محفوظ من الزيادة فيه والنقصان منه عما أثبته الله فيه.
وقال آخرون: إنما قيل محفوظ لأنه في جبهة إسرافيل
قال ابن القيم
ووصف محله بالحفظ في هذه السورة فالله سبحانه حفظ محله وحفظه من الزيادة والنقصان والتبديل وحفظ معانيه من التحريف كما حفظ ألفاظه من التبديل وأقام له من يحفظ حروفه من الزيادة والنقصان ومعانيه من التحريف والتغيير.
قرأ يحيى بن يعمر: فِي لُوحٍ بضم اللام، أي إنّه بلوح وهو ذو نور وعلو وشرف.
وعن ابن عباس قال " أخبرت أن لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر " وأن ذلك اللوح نور، وأنه مسيرة ثلثمائة سنة " أخرجه ابن المنذر
وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال: " خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق اكتب علمي في خلقي، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة "
قالَ حُجَّةُ الإسْلامِ الغَزالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى في كِتابِ المَوْتِ مِنَ الأحْياءِ: يُعَبِّرُ عَنْهُ تارَةً بِاللَّوْحِ، وتارَةً بِالكِتابِ المُبِينِ، وتارَةً بِإمامٍ مُبِينٍ، وتارة بكِتابٍ مَكْنُون
فَجَمَعَ ما جَرى في العالَمِ وما سَيَجْرِي مَكْتُوبٌ فِيهِ كُتُبًا لا يُشاهَدُ بِهَذِهِ العَيْنِ، ولَيْسَ مِمّا نَعْهَدُهُ مِنَ الألْواحِ، فَلَوْحُهُ تَعالى لا يُشْبِهُ ألْواحَ خَلَقْهِ كَما أنَّ ذاتَهُ تَعالى لا تُشْبِهُ ذَواتَ خَلْقِهِ، ومِثالُهُ مِثالُ قَلْبِ الإنْسانِ في حِفْظِ القُرْآنِ مَثَلًا كَلِماتِهِ وحُرُوفِهِ، ولَوْ فَتَّشَ قَلْبُهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَيْءٌ ولا يَنْظُرُ ذَلِكَ إلّا نَبِيٌّ أوْ ولِيٌّ يَقْرُبُ مِن دَرَجَتِهِ -
ووَقَعَ في التَّعْرِيفاتِ لِلسَّيِّدِ الجُرْجانِيِّ: أنَّ الألْواحَ أرْبَعَةٌ.
أوَّلُها: لَوْحُ القَضاءِ السّابِقُ عَلى المَحْوِ والإثْباتِ وهو لَوْحُ العَقْلِ الأوَّلِ.
الثّانِي: لَوْحُ القَدَرِ أيِ: النَّفْسُ النّاطِقَةُ الكُلِّيَّةُ وهو المُسَمّى اللَّوْحُ المَحْفُوظُ.
الثّالِثُ: لَوْحُ النَّفْسِ الجُزْئِيَّةِ السَّماوِيَّةِ الَّتِي يُنْتَقَشُ فِيها كُلُّ ما في هَذا العالَمِ بِشَكْلِهِ وهَيْئَتِهِ ومِقْدارِهِ وهو المُسَمّى بِالسَّماءِ الدُّنْيا.
الرّابِعُ: لَوْحُ الهَيُولى القابِلُ لِلصُّورَةِ في عالَمِ الشَّهادَةِ اهـ.
وهُوَ اصْطِلاحٌ مَخْلُوطٌ بَيْنَ التَّصَوُّفِ والفَلْسَفَةِ، ولَعَلَّهُ مِمّا اسْتَقْراهُ السَّيِّدُ مِن كَلامِ عِدَّةِ عُلَماءَ.
(تفسير التحرير والتنوير طاهر ابن عاشور)
وأبُو الشَّيْخِ في العَظَمَةِ عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ لِلَّهِ لَلَوْحًا أحَدُ وجْهَيْهِ ياقُوتَةٌ والوَجْهُ الثّانِي زُمُرُّدَةٌ خَضْراءُ قَلَمُهُ النُّورُ فِيهِ يَخْلُقُ وفِيهِ يَرْزُقُ وفِيهِ يُحْيِي وفِيهِ يُمِيتُ وفِيهِ يُعِزُّ وفِيهِ يَفْعَلُ ما يَشاءُ في كُلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ» .
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حَمِيدٍ وأبُو يَعْلى في مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ تَبارَكَ وتَعالى لَلَوْحًا فِيهِ ثَلاثُمِائَةٍ وخَمْسَ عَشْرَةَ شَرِيعَةً يَقُولُ الرَّحْمَنُ: وعِزَّتِي وجَلالِي لا يَجِيئُنِي عَبْدٌ مِن عِبادِي لا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا فِيهِ واحِدَةٌ مِنكُنَّ إلّا أدْخَلْتُهُ الجَنَّةَ» .
وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ وابْنِ أبِي الدُّنْيا في مَكارِمِ الأخْلاقِ وأبُو الشَّيْخِ في العَظَمَةِ وابْنُ مَرْدُويَهَ والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ، عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ لِلَّهِ لَوْحًا مِن زَبَرْجَدَةٍ خَضْراءَ جَعَلَهُ تَحْتَ العَرْشِ وكَتَبَ فِيهِ: إنِّي أنا اللَّهُ لا إلَهَ إلّا أنا خَلَقْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ وثَلاثَمِائَةِ خُلُقٍ مَن جاءَ بِخُلُقٍ مِنها مَعَ شَهادَةِ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهَ أُدْخِلَ الجَنَّةَ»
وقلنا: إنَّ الكتابات أربع: اللوح المحفوظ، الثاني: كتابة الأجنَّة، والثالث: الكتابة الحوليَّة تكون في ليلة القدر،وفي شعبان والرابعة: كتابة الأعمال بعد وقوعها كل يوم الخميس والاثنين وتكون هذه بأيدي الملائكة؛ عن اليمين واحد من الملائكة وعن الشمال واحد، يسجِّلون على الإنسان كلَّ ما يقول.
ويُذكَر أنَّ الإمام أحمد رحمه الله كان مريضًا، وكان يئِنُّ في مرضه من شدَّة المرض، فدخل عليه أحد أصحابه وقال: يا أبا عبد الله، إنَّ طاوسًا -وهو رجلٌ من التابعين معروفٌ- يقول: إنَّ الملائكة تكتب على الإنسان حتى أنينَ المرض، حتى أنينَه في مرضه. فأمسكَ رحمه الله عن الأنين. فالأمر ليس بالأمر الهيِّن، نسأل الله تعالى أن يتولَّانا وإيَّاكم بعَفْوه ومغفرته.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يُدَبِّرُ أَمْرَ السَّنَةِ، فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ، إِلَّا الشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ، وَالْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. وَفِي رِوَايَةٍ: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ قَالَ: كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ، وَالشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ فَإِنَّهُمَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُمَا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ إِلَّا الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ، وَالشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ، فَإِنَّهُمَا لَا يَتَغَيَّرَانِ.
وَقَالَ مَنْصُورٌ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ دُعَاءَ أَحَدِنَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ، إِنْ كَانَ اسْمِي فِي السُّعَدَاءِ فَأَثْبِتْهُ فِيهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَشْقِيَاءِ فَامْحُهُ عَنْهُمْ وَاجْعَلْهُ فِي السُّعَدَاءِ. فَقَالَ: حَسَنٌ. ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَوْلٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: ﴿إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدُّخَانِ: ٣، ٤] قَالَ: يَقْضِي فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي السَّنة مِنْ رِزْقٍ أَوْ مُصِيبَةٍ، ثُمَّ يُقَدِّمُ مَا(١٣) يَشَاءُ وَيُؤَخِّرُ مَا(١٤) يَشَاءُ، فَأَمَّا كِتَابُ الشَّقَاوَةِ(١٥) وَالسَّعَادَةِ فَهُوَ ثَابِتٌ لَا يُغير(١٦) .
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيق بْنِ سَلَمَةَ: إِنَّهُ كَانَ يَكْثُرُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ، إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنَا أَشْقِيَاءَ فَامْحُهُ، وَاكْتُبْنَا سُعَدَاءَ، وَإِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنَا سُعَدَاءَ فَأَثْبِتْنَا، فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهُوَ يَبْكِي: اللَّهُمَّ، إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَ عَلَيَّ شِقْوَةً أَوْ ذَنْبًا فَامْحُهُ، فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ، وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ، فَاجْعَلْهُ سَعَادَةً وَمَغْفِرَةً.
وَقَالَ حَمَّادٌ عَنْ خَالِدٍ الحذَّاء، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ أَيْضًا.
وَرَوَاهُ شَرِيكٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْم، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، بِمَثَلِهِ.
عَنْ إِبْرَاهِيمَ؛ أَنَّ كَعْبًا قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَأَنْبَأْتُكَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الجَعْد، عَنْ ثَوْبَان قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إن الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبه، وَلَا يَرُدُّ القَدَر إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ".
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ لَوْحًا مَحْفُوظًا مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ لَهَا دَفَّتَان مِنْ يَاقُوتٍ -وَالدَّفَّتَانِ: لَوْحَانِ -لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ [كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثُمِائَةٍ](٢٦) وَسِتُّونَ لَحْظَةً، يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ.(٢٧)
عَنْ فُضَالة بْنِ عُبَيد، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " [إن الله](٢٨) يَفْتَحُ الذِّكْرَ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ يَبْقَيْنَ مِنَ اللَّيْلِ، فِي السَّاعَةِ الْأُولَى مِنْهَا يَنْظُرُ فِي الذِّكْرِ الَّذِي لَا يَنْظُرُ فِيهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ، فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ".
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ قَالَ: يَمْحُو مِنَ الرِّزْقِ وَيَزِيدُ فِيهِ، وَيَمْحُو مِنَ الْأَجَلِ وَيَزِيدُ فِيهِ. فَقِيلَ لَهُ: مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو صَالِحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِئَابٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. ثُمَّ سُئِلَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: يُكْتَبُ الْقَوْلُ كُلُّهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسَ، طُرِحَ مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، مِثْلَ قَوْلِكَ: أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ، دَخَلْتُ وَخَرَجْتُ وَنَحْوِهِ مِنَ الْكَلَامِ، وَهُوَ صَادِقٌ، وَيُثْبَتُ مَا كَانَ فِيهِ الثَّوَابُ، وَعَلَيْهِ الْعِقَابُ.
وَقَالَ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْكِتَابُ كِتَابَانِ: فَكُتَّابٌ يَمْحُو اللَّهُ مِنْهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ يقول: هو الرَّجُلُ يَعْمَلُ الزَّمَانَ بِطَاعَةِ اللَّهِ، ثُمَّ يَعُودُ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَيَمُوتُ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَهُوَ الَّذِي يَمْحُو -وَالَّذِي يُثْبِتُ: الرَّجُلُ يَعْمَلُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَقَدْ كَانَ سَبَقَ لَهُ خَيْرٌ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَهُوَ الَّذِي يُثْبِتُ.
عَنِ ابْنِ عباس: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ يَقُولُ: يُبَدِّلُ مَا يَشَاءُ فَيَنْسَخُهُ، وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ فَلَا يُبَدِّلُهُ، ﴿وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ يَقُولُ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، النَّاسِخُ، وَالْمَنْسُوخُ، وَمَا يُبَدِّلُ، وَمَا يُثْبِتُ كُلُّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ.
عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قوله: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ قَالَ: قَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ حِينَ أُنْزِلَتْ: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ مَا نَرَاكَ يَا مُحَمَّدُ تَمْلِكُ مِنْ شَيْءٍ، وَلَقَدْ فُرغ مِنَ الْأَمْرِ. فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَخْوِيفًا، وَوَعِيدًا لَهُمْ: إِنَّا إِنْ شِئْنَا أَحْدَثْنَا لَهُ مِنْ أَمْرِنَا مَا شِئْنَا، وَنُحْدِثُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، فَنَمْحُو وَنُثْبِتُ(٣١) مَا نَشَاءُ مِنْ أَرْزَاقِ النَّاسِ وَمَصَائِبِهِمْ، وَمَا نُعْطِيهِمْ، وَمَا نَقْسِمُ لَهُمْ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ سَأَلَ كَعْبًا عَنْ "أُمِّ الْكِتَابِ"، فَقَالَ: عَلِم اللَّهُ، مَا هُوَ خَالِقٌ، وَمَا خَلْقُه عَامِلُونَ، ثُمَّ قَالَ(٣٢) لِعِلْمِهِ: "كُنْ كِتَابًا". فَكَانَا(٣٣) كِتَابًا
عن عكرمة، في قوله: ﴿يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب﴾ ، قال: الكتابُ كتابان، كتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب.
عن أبي قلابة، عن ابن مسعود، أنه كان يقول: اللهم إن كنت كتبتني في [أهل] الشقاء فامحني وأثبتني في أهل السعادة
سمعت الضحاك يقول في قوله: ﴿لكل أجل كتاب﴾ ، الآية يقول: ﴿يمحو الله ما يشاء﴾ ، يقول: أنسخُ ما شئت، وأصْنعُ من الأفعال ما شئت، إن شئتُ زدتُ فيها، وإن شئت نقصت.
عن الحسن في قوله: ﴿يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب﴾ ، يقول: يمحو من جاء أجله فذهب، والمثبت الذي هو حيٌّ يجري إلى أجله
عن سعيد في قوله ﴿يمحو الله ما يشاء ويثبت﴾ ، قال: يثبت في البطن الشَّقاء والسعادة وكلَّ شيء، فيغفر منه ما يشاء ويُؤخّر ما يشاء.
عن قيس بن عباد، أنه قال: العاشر من رجب هو يوم يمحو الله فيه ما يشاء
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: "يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ إِلَّا السَّعَادَةَ وَالشَّقَاوَةَ وَالْمَوْتَ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ إِلَّا أَشْيَاءَ(٣)، الْخَلْقَ وَالْخُلُقَ وَالْأَجَلَ وَالرِّزْقَ وَالسَّعَادَةَ وَالشَّقَاوَةَ، وَعَنْهُ: هُمَا كِتَابَانِ سِوَى أُمِّ الْكِتَابِ، يَمْحُو اللَّهُ مِنْهُمَا مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي دَعَا لَهَا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا جَارِيَةٌ فَأَبْدِلْهَا غُلَامًا فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ.
وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا رَوَى الْحَدِيثَ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمُدَّ اللَّهَ فِي عُمْرِهِ وَأَجَلِهِ وَيَبْسُطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" كَيْفَ يُزَادُ فِي الْعُمْرِ وَالْأَجَلِ؟! فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ﴾(٥) [الأنعام: ٢]. فَالْأَجَلُ الْأَوَّلُ أَجَلِ الْعَبْدِ مِنْ حِينِ وِلَادَتِهِ إلى حين موته، والأجل الثَّانِي- يَعْنِي الْمُسَمَّى عِنْدَهُ- مِنْ حِينِ وَفَاتِهِ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ فِي الْبَرْزَخِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا اتَّقَى الْعَبْدُ رَبَّهُ وَوَصَلَ رَحِمَهُ زَادَهُ اللَّهُ فِي أَجَلِ عُمْرِهِ الْأَوَّلِ مِنْ أَجَلِ الْبَرْزَخِ، مَا شَاءَ، وَإِذَا عَصَى وَقَطَعَ رَحِمَهُ نَقَصَهُ اللَّهُ مِنْ أَجَلِ عُمْرِهِ فِي الدُّنْيَا مَا شَاءَ، فَيَزِيدُهُ فِي أَجَلِ الْبَرْزَخِ فَإِذَا تَحَتَّمَ الْأَجَلُ فِي عِلْمِهِ السَّابِقِ امْتَنَعَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾
وَقَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فَيَنْسَخُهُ وَيُبَدِّلُهُ، وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ فَلَا يَنْسَخُهُ، وَجُمْلَةُ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ عِنْدَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ،
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَيْضًا: يَغْفِرُ مَا يَشَاءُ- يَعْنِي- مِنْ ذُنُوبِ عِبَادِهِ، وَيَتْرُكُ مَا يَشَاءُ فَلَا يَغْفِرُهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَمْحُو مَا يَشَاءُ- يَعْنِي بِالتَّوْبَةِ- جَمِيعَ الذُّنُوبِ وَيُثْبِتُ بَدَلَ الذُّنُوبِ حَسَنَاتٍ [قَالَ تَعَالَى](٧): ﴿إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً﴾
وقال السدي: "يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ" يَعْنِي: الْقَمَرَ، "وَيُثْبِتُ" يَعْنِي: الشَّمْسَ، بَيَانُهُ قَوْلُهُ: ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَمْحُو الْآبَاءَ، وَيُثْبِتُ الْأَبْنَاءَ.
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: هَذَا فِي الْأَرْوَاحِ حَالَةَ النَّوْمِ، يَقْبِضُهَا عِنْدَ النَّوْمِ، ثُمَّ إِذَا أَرَادَ مَوْتَهُ فَجْأَةً أَمْسَكَهُ، وَمَنْ أَرَادَ بَقَاءَهُ أَثْبَتَهُ وَرَدَّهُ إِلَى صَاحِبِهِ، بَيَانُهُ قَوْلُهُ: "اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها"
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنَ الْقُرُونِ، كَقَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ﴾(١١) [يس: ٣١] وَيُثْبِتُ مَا
يَشَاءُ مِنْهَا، كَقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ﴾(١٢) [المؤمنون: ٣١] فَيَمْحُو قَرْنًا، وَيُثْبِتُ قَرْنًا.
وَقِيلَ: هُوَ الرَّجُلُ يَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ، ثُمَّ يَعْمَلُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَيَمُوتُ عَلَى ضَلَالِهِ، فَهُوَ الَّذِي يَمْحُو، وَالَّذِي يُثْبِتُ: الرَّجُلُ يَعْمَلُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ الزَّمَانَ الطَّوِيلَ ثُمَّ يَتُوبُ، فَيَمْحُوهُ اللَّهُ مِنْ دِيوَانِ السَّيِّئَاتِ، وَيُثْبِتُهُ فِي دِيوَانِ الْحَسَنَاتِ،
وَقِيلَ: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ- يَعْنِي الدُّنْيَا- وَيُثْبِتُ الْآخِرَةَ.
وقيل. يمحو اعمال مومن يعمل رياء وسمعة ويجعله هباء منثورا كما جاء في الحديث ان الملائكة تاتي باعمال المومن مكتوبا في الكتاب مستورا وتظن ان الله يفرح بها فيامر الله بوضعها في السجين فتقول الملائكة يارب فيها صدقا وبرا فيقول انا اعلم بما فيه
تعرض عند الله اعمال الليل قبل النهار واعمال الليل قبل النهار فينظر فيه فيرى سيئات فيغضب عليها....
تارہ قال الله للوح المحفوظ الذكر
وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: "يَدْخُلُ الْمَلَكُ عَلَى النُّطْفَةِ بَعْدَمَا تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ، أَوْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَيُكْتَبَانِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيُكْتَبَانِ، وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَثَرُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ، ثُمَّ تُطْوَى الصُّحُفُ فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ"
وَعَنْ عُمَرَ وابن عباس وَابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَ-أَنَّهُمَا قَالَوا يَمْحُو السَّعَادَةَ وَالشَّقَاوَةَ أَيْضًا، وَيَمْحُو الرِّزْقَ وَالْأَجَلَ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ.
كما يزاد في العمر بسبب صلة الرحم من عمره البرزخية وكما زاد الله عمر داود
وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ ثَلَاثُونَ سَنَةً فَيَقْطَعُ رَحِمَهُ فَتُرَدُّ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالرَّجُلَ يَكُونُ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَيَصِلُ رَحِمَهُ فَيُمَدُّ إِلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً.
وعن ابن عباس قال " لا ينفع الحذر من القدر ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر "
رفعت الأقلام وجفت الصحف
وهذا يدل على ان هناك صحف اخرى واقلاما اخرى غير اللوح والقلم
وقِيلَ: يَمْحُو بَعْضَ الخَلائِقِ ويُثْبِتُ بَعْضًا مِنَ الأناسِيِّ وسائِرِ الحَيَواناتِ والنَّباتاتِ والأشْجارِ وصِفاتِها وأحْوالِها
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قالَ: ما دَعا عَبْدٌ قَطُّ بِهَذِهِ الدَّعَواتِ إلّا وُسِّعَ عَلَيْهِ في مَعِيشَتِهِ يا ذا المَنِّ ولا يُمَنُّ عَلَيْهِ يا ذا الجَلالِ والإكْرامِ يا ذا الطَّوْلِ لا إلَهَ إلّا أنْتَ ظَهْرُ اللّاجِئِينَ وجارِ المُسْتَجِيرِينَ ومَأْمَنُ الخائِفِينَ إنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي عِنْدَكَ في أُمِّ الكِتابِ شَقِيًّا فامْحُ عَنِّي اسْمَ الشَّقاوَةِ وأثْبِتْنِي عِنْدَكَ سَعِيدًا وإنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي عِنْدَكَ في أُمِّ الكِتابِ مَحْرُومًا مُقَتَّرًا عَلَيَّ رِزْقِي فامْحُ حِرْمانِيَ ويَسِّرْ رِزْقِيَ وأثْبِتْنِي عِنْدَكَ سَعِيدًا مُوَفَّقًا لِلْخَيْرِ فَإنَّكَ تَقُولُ في كِتابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ ﴿يَمْحُو اللَّهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ وعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ﴾
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّهُ قالَ: وهو يَطُوفُ بِالبَيْتِ: اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ كَتَبْتَ عَلَيَّ شِقْوَةً أوْ ذَنْبًا فامْحُهُ واجْعَلْهُ سَعادَةً ومَغْفِرَةً فَإنَّكَ تَمْحُو ما تَشاءُ وتُثْبِتُ وعِنْدَكَ أُمُّ الكِتابِ.
ذَهَبَ شَيْخُ الإسْلامِ قالَ بَعْدَ نَقْلِ كَثِيرٍ مِنَ الأقْوالِ: والأنْسَبُ تَعْمِيمُ كُلٍّ مِنَ المَحْوِ والإثْباتِ لِيَشْمَلَ الكُلَّ
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ وابْنُ عَساكِرَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ «أنَّهُ سَألَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ ما يَشاءُ﴾ الآيَةَ فَقالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: لَأُقِرَّنَّ عَيْنَكَ بِتَفْسِيرِها ولَأُقِرَّنَّ عَيْنَ أُمَّتِي بَعْدِي بِتَفْسِيرِها الصَّدَقَةُ عَلى وجْهِها وبِرُّ الوالِدَيْنِ واصْطِناعُ المَعْرُوفِ يُحَوِّلُ الشَّقاءَ سَعادَةً ويَزِيدُ في العُمْرِ ويَقِي مَصارِعَ السُّوءِ»
أنَّ أُمَّ الكِتابِ هو اللَّوْحُ المَحْفُوظُ، وجَمِيعُ حَوادِثِ العالَمِ العُلْوِيِّ والعالَمِ السُّفْلِيِّ مُثْبَتٌ فِيهِ؛ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «كانَ اللَّهُ ولا شَيْءَ مَعَهُ ثُمَّ خَلَقَ اللَّوْحَ وأثْبَتَ فِيهِ أحْوالَ جَمِيعِ الخَلْقِ إلى قِيامِ السّاعَةِ»
وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: ﴿يَمْحُو اللَّهُ ما يَشاءُ﴾ أيْ: يَنْسَخُ مِنَ القُرْآنِ ما يَشاءُ ﴿وَيُثْبِتُ﴾ أيْ: يَدَعُهُ ثابِتًا لا يَنْسَخُهُ، وهو المُحْكَمُ.
وقالَ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى في الرِّسالَةِ: يَمْحُو فَرْضَ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ فَرْضَ ما يَشاءُ
وقيل يمحوا الاحلال والاحرام
وقيل يمحو من الكتب السابقة ويثبت في القران
وعن ابن عباس، رضي الله عنه، أن معناه: يمحو الله ما يشاء من أحكام كتابه، فينسخه، أو يبدله، ويثبت ما يشاء فلا ينسخه، ولا يبدله.
عن عطاء بن أبي رَبَاح في معنَى نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها قال: بذَهَابِ فقهائها، وخيار أهلها
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «إن الحفظة إذا رفعت ديوان العبد، فإن كان في أوله وآخره خير، يمحو الله ما بينهما من السيئات، وإن لم يكن في أوله وآخره حسنات، يثبت ما فيه من السيئات»
ويقال: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ يعني: المعرفة عن قلب من يشاء وَيُثْبِتُ في قلب من يشاء. وهو مثل قوله: يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ والطَّبَرانِيُّ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ في ثَلاثِ ساعاتٍ يَبْقَيْنَ مِنَ اللَّيْلِ فَيَفْتَحُ الذِّكْرَ في السّاعَةِ الأُولى مِنها يَنْظُرُ في الذِّكْرِ الَّذِي لا يَنْظُرُ فِيهِ أحَدٌ غَيْرُهُ فَيَمْحُو ما يَشاءُ ويُثْبِتُ، ثُمَّ يَنْزِلُ في السّاعَةِ الثّانِيَةِ إلى جَنَّةِ عَدْنٍ وهي دارُهُ الَّتِي لَمْ تَرَها عَيْنٌ ولَمْ تَخْطُرْ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ لا يَسْكُنُها مِن بَنِي آدَمَ غَيْرُ ثَلاثَةٍ: النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ ثُمَّ يَقُولُ: طُوبى لِمَن دَخَلَكِ، ثُمَّ يَنْزِلُ في السّاعَةِ الثّالِثَةِ إلى السَّماءِ الدُّنْيا بِرُوحِهِ ومَلائِكَتِهِ فَتَنْتَفِضُ فَيَقُولُ: قُومِي
بِعِزَّتِي ثُمَّ يَطَّلِعُ إلى عِبادِهِ فَيَقُولُ: هَلْ مِن مُسْتَغْفِرٍ فَأغْفِرَ لَهُ هَلْ مِن داعٍ فَأُجِيبَهُ حَتّى يُصَلّى الفَجْرُ وذَلِكَ قَوْلُهُ: ( ﴿إنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] ) يَقُولُ: يَشْهَدُهُ اللَّهُ ومَلائِكَةُ اللَّيْلِ ومَلائِكَةُ النَّهارِ» .
عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبادٍ قالَ: لِلَّهِ أمْرٌ في كُلِّ لَيْلَةِ العاشِرِ مِن أشْهُرِ الحُرُمِ أمّا العَشْرُ مِنَ الأضْحى فَيَوْمُ النَّحْرِ. وأمّا العَشْرُ مِنَ المُحَرَّمِ فَيَوْمُ عاشُوراءَ. وأمّا العَشْرُ مِن رَجَبٍ فَفِيهِ ( ﴿يَمْحُو اللَّهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ﴾
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في «شُعَبِ الإيمانِ» عَنِ السّائِبِ بْنِ مَهْجانَ مِن أهْلِ الشّامِ - وكانَ قَدْ أدْرَكَ الصَّحابَةَ - قالَ: «لَمّا دَخَلَ عُمَرُ الشّامَ حَمِدَ اللَّهَ وأثْنى عَلَيْهِ ووَعَظَ وذَكَّرَ وأمَّرَ بِالمَعْرُوفِ ونَهى عَنِ المُنْكَرِ ثُمَّ قالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قامَ فِينا خَطِيبًا كَقِيامِي فِيكم فَأمَرَ بِتَقْوى اللَّهِ وصِلَةِ الرَّحِمِ وصَلاحِ ذاتِ البَيْنِ وقالَ: عَلَيْكم بِالجَماعَةِ فَإنَّ يَدَ اللَّهِ عَلى الجَماعَةِ وإنَّ الشَّيْطانَ مَعَ الواحِدِ وهو مِنَ الإثْنَيْنِ أبْعَدُ، لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأةٍ فَإنَّ الشَّيْطانَ ثالِثُهُما ومَن ساءَتْهُ سَيِّئَتُهُ وسَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ فَهو أمارَةُ المُسْلِمِ المُؤْمِنِ وأمارَةُ المُنافِقِ الَّذِي لا تَسُوءُهُ سَيِّئَتُهُ ولا تَسُرُّهُ حَسَنَتُهُ إنْ عَمِلَ خَيْرًا لَمْ يَرْجُ مِنَ اللَّهِ في ذَلِكَ ثَوابًا وإنْ عَمِلَ شَرًّا لَمْ يَخَفْ مِنَ اللَّهِ في ذَلِكَ الشَّرِّ عُقُوبَةً وأجْمِلُوا في طَلَبِ الدُّنْيا فَإنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ بِأرْزاقِكم وكُلٌّ سَيَتِمُّ لَهُ عَمَلُهُ الَّذِي كانَ عامِلًا اسْتَعِينُوا اللَّهَ عَلى أعْمالِكم فَإنَّهُ يَمْحُو ما يَشاءُ ويُثْبِتُ وعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ صَلّى اللَّهُ عَلى نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ وعَلَيْهِ السَّلامُ ورَحْمَةُ اللَّهِ السَّلامُ عَلَيْكم،
عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «كانَ أبُو رُومِيٍّ مِن شَرِّ أهْلِ زَمانِهِ وكانَ لا يَدَعُ شَيْئًا مِنَ المَحارِمِ إلّا ارْتَكَبَهُ وكانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ:
لَئِنْ رَأيْتُ أبا رُومِيٍّ في بَعْضِ أزِقَّةِ المَدِينَةِ لَأضْرِبَنَّ عُنُقَهُ وإنَّ بَعْضَ أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ أتاهُ ضَيْفٌ لَهُ فَقالَ لِامْرَأتِهِ: اذْهَبِي إلى أبِي رُومِيٍّ فَخُذِي لَنا مِنهُ بِدِرْهَمٍ طَعامًا حَتّى يُيَسِّرَهُ اللَّهُ، فَقالَتْ لَهُ: إنَّكَ تَبْعَثُنِي إلى أبِي رُومِيٍّ وهو مِن أفْسَقِ أهْلِ المَدِينَةِ، فَقالَ: اذْهَبِي فَلَيْسَ عَلَيْكِ مِنهُ بَأْسٌ إنْ شاءَ اللَّهُ فانْطَلَقَتْ إلَيْهِ فَضَرَبَتْ عَلَيْهِ البابَ فَقالَ: مَن هَذا قالَتْ: فُلانَةُ، قالَ: ما كُنْتِ لَنا بِزَوّارَةٍ فَفَتَحَ لَها البابَ فَأخَذَها بِكَلامٍ رَفَثٍ ومَدَّ يَدَهُ إلَيْها فَأخَذَها رِعْدَةٌ شَدِيدَةٌ، فَقالَ لَها: ما شَأْنُكِ قالَتْ: إنَّ هَذا عَمَلٌ ما عَمِلْتُهُ قَطُّ، قالَ أبُو رُومِيٍّ: ثَكِلَتْ أبا رُومِيٍّ أُمُّهُ هَذا عَمَلٌ عَمِلَهُ مُنْذُ هو صَغِيرٌ لا تَأْخُذُهُ رِعْدَةٌ ولا يُبالِي عَلى أبِي رُومِيٍّ عَهْدُ اللَّهِ إنْ عادَ لِشَيْءٍ مِن هَذا أبَدًا فَلَمّا أصْبَحَ غَدا عَلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: مَرْحَبًا بِأبِي رُومِيٍّ وأخَذَ يُوَسِّعُ لَهُ بِالمَكانِ وقالَ لَهُ يا أبا رُومِيٍّ ما عَمِلْتَ البارِحَةَ فَقالَ: ما عَسى أنْ أعْمَلَ يا نَبِيَّ اللَّهِ أنا شَرُّ أهْلِ الأرْضِ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: إنَّ اللَّهَ قَدْ حَوَّلَ مَكْتَبَكَ إلى الجَنَّةِ، فَقالَ: ( ﴿يَمْحُو اللَّهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ
عَنِ ابْنِ زَيْدٍ في الآيَةِ قالَ: ( ﴿يَمْحُو اللَّهُ ما يَشاءُ﴾ ): مِمّا يُنَزِّلُ عَلى الأنْبِياءِ ( ﴿ويُثْبِتُ﴾ ) ما يَشاءُ مِمّا يُنَزِّلُ عَلى الأنْبِياءِ ( ﴿وعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ﴾ ) لا يُغَيَّرُ ولا يُبَدَّلُ.
ومِن آثارِ ذَلِكَ أيْضًا تَقْلِيبُ القُلُوبِ بِأنْ يَجْعَلَ اللَّهُ البَغْضاءَ مَحَبَّةً، كَما قالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ لِلنَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ أنْ أسْلَمَتْ: ما كانَ أهْلُ خِباءٍ أحَبَّ إلَيَّ أنْ يُذِلِّوُا مِن أهْلِ خِبائِكَ واليَوْمَ أصْبَحْتُ وما أهْلُ خِباءٍ أحَبَّ إلَيَّ أنْ يُعِزُّوا مِن أهْلِ خِبائِكَ.
قَوْلُ النَّبِيءِ ﷺ: «إنَّ أحَدَكم لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ حَتّى ما يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَها إلّا ذِراعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النّارِ فَيَدْخُلُها. وإنَّ أحَدَكم لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النّارِ حَتّى ما يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَها إلّا ذِراعٌ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُها» .
والَّذِي يَلُوحُ في مَعْنى الآيَةِ أنَّ ما في أُمِّ الكِتابِ لا يَقْبَلُ مَحْوًا، فَهو ثابِتٌ وهو قَسِيمٌ لِما يَشاءُ اللَّهُ مَحْوَهُ.
كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ. فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ﴾
عروة بن عامر القريشي، قال: سمعت ابن عباس يقول: إنّ أول ما خلق الله تعالى القلم وأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق والكتاب عنده ثمّ قرأ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً
عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: أنَّ أوَّلَ ما خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ القَلَمُ فَأمَرَهُ أنْ يَكْتُبَ ما هو كائِنٌ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، والكِتابُ عِنْدَهُ. ثُمَّ قَرَأ: ﴿وإنَّهُ في أُمِّ الكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ .
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ والدَّيْلَمِيُّ عَنْ أنَسٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتابًا قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ السَّماواتِ والأرْضَ وهو عِنْدُهُ فَوْقَ العَرْشِ، الخَلْقُ مُنْتَهُونَ إلى ما في ذَلِكَ الكِتابِ، وتَصْدِيقُ ذَلِكَ في كِتابِ اللَّهِ: ﴿وإنَّهُ في أُمِّ الكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ ”
عَنِ ابْنِ سابِطٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإنَّهُ في أُمِّ الكِتابِ﴾ قالَ: في أُمِّ الكِتابِ ما هو كائِنٌ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، وُكِّلَ ثَلاثَةٌ مِنَ المَلائِكَةِ يَحْفَظُونَ، فَوُكِّلَ جِبْرِيلُ بِالوَحْيِ يَنْزِلُ بِهِ إلى الرُّسُلِ، وبِالهَلاكِ إذا أرادَ اللَّهُ أنْ يُهْلِكَ قَوْمًا كانَ صاحِبَ ذَلِكَ، ووُكِّلَ أيْضًا بِالنَّصْرِ في الحُرُوبِ إذا أرادَ اللَّهُ أنْ يَنْصُرَ، ووُكِّلَ مِيكائِيلُ بِالقَطْرِ أنْ يَحْفَظَهُ، ووُكِّلَ بِنَباتِ الأرْضِ أنْ يَحْفَظَهُ، ووُكِّلَ مَلَكُ المَوْتِ بِقَبْضِ الأنْفُسِ، فَإذا ذَهَبَتِ الدُّنْيا جُمِعَ بَيْنَ حِفْظِهِمْ وحِفْظِ أُمِّ الكِتابِ فَوَجَدُوهُ سَواء
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ أَيْ: جَمِيعُ الْكَائِنَاتِ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابٍ مَسْطُورٍ مَضْبُوطٍ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ، وَالْإِمَامُ الْمُبِينُ هَاهُنَا هُوَ أُمُّ الْكِتَابِ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٧١] أَيْ: بِكِتَابِ أَعْمَالِهِمِ الشَّاهِدِ عَلَيْهِمْ بِمَا عَمِلُوهُ مِنْ خَيْرٍ وشر، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ﴾ [الزُّمَرِ: ٦٩] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا
وكل شيء احصيناه في امام مبين
وقِيلَ ما قَدَّمُوا مِنَ النِّيّاتِ وآثارَهم مِنَ الأعْمالِ،
ولهذا: ﴿من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة﴾
والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِالكِتابَةِ الكِتابَةُ في صُحُفِ المَلائِكَةِ الكِرامِ الكاتِبِينَ ولِكَوْنِها
مُبِينٍ﴾ مُظْهِرٌ لِما كانَ وسَيَكُونُ
كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ في الزُّبُرِ﴾ ﴿وكُلُّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ انا كل شيء خلقناه بقدر ﴾عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي في كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي ولا يَنْسى﴾هو مُحْصًى فِيهِ وسُمِّيَ الكِتابُ إمامًا؛ لِأنَّ المَلائِكَةَ يَتَّبِعُونَهُ فَما كُتِبَ فِيهِ مِن أجَلٍ ورِزْقٍ وإحْياءٍ وإماتَةٍ اتَّبَعُوهُ، وقِيلَ: هو اللَّوْحُ المَحْفُوظُ، وإمامٌ جاءَ جَمْعًا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإمامِهِمْ﴾
وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا
كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أمْ يَحْسَبُونَ أنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهم ونَجْواهم بَلى ورُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزخرف: ٨٠]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿هَذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكم بِالحَقِّ إنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أوْزارَهم كامِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ ومِن أوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهم بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ الآيَةَ [النحل: ٢٥]، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أثْقالَهم وأثْقالًا مَعَ أثْقالِهِمْ
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُنَبَّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وأخَّرَ﴾
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وأخَّرَتْ﴾
كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا يَقْطَعُونَ وادِيًا إلّا كُتِبَ لَهُمْ﴾
كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وأحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ [الجن: ٢٨]، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما فَرَّطْنا في الكِتابِ مِن شَيْءٍ﴾
وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إلّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾
وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَیۡبِ لَا یَعۡلَمُهَاۤ إِلَّا هُوَۚ وَیَعۡلَمُ مَا فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا یَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةࣲ فِی ظُلُمَـٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبࣲ وَلَا یَابِسٍ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینࣲ﴾
عن عبد الله بن الحارث قال: ما في الأرض من شجرة ولا كمغرِز إبرة، إلا عليها ملك موكّل بها يأتي الله بعلمها:(٦) يبسها إذا يبست، ورطوبتها إذا رَطبت
قال ابو جعفر الطبري
ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين"، يقول: ولا شيء أيضًا مما هو موجود، أو ممّا سيوجد ولم يوجد بعد، إلا وهو مثبت في اللوح المحفوظ، مكتوبٌ ذلك فيه، ومرسوم عددُه ومبلغه، والوقت الذي يوجد فيه، والحالُ التي يفنى فيها.
سَمِعْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: إِنَّ تَحْتَ الْأَرْضِ الثَّالِثَةِ وَفَوْقَ الرَّابِعَةِ مِنَ الْجِنِّ مَا لَوْ أَنَّهُمْ ظَهَرُوا -يَعْنِي لَكُمْ -لَمْ تَرَوْا مَعَهُمْ نُورًا، عَلَى كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا الْأَرْضِ(١٤) خَاتَمٌ مِنْ خَوَاتِيمِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى كُلِّ خَاتَمِ مَلَك مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَبْعَثُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَلَكًا مِنْ عِنْدِهِ: أَنِ احْتَفِظْ بِمَا عِنْدَكَ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ النُّونَ -وَهِيَ الدَّوَاةُ -وَخَلَقَ الْأَلْوَاحَ، فَكَتَبَ فِيهَا أَمْرَ الدُّنْيَا حَتَّى يَنْقَضِيَ مَا كَانَ مِنْ خَلْقٍ مَخْلُوقٍ، أَوْ رِزْقِ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، أَوْ عَمَلِ بِرٍّ أَوْ فُجُورٍ(١٧) وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا﴾ إلى آخر الآية.
عن نافع ابن عمر عن النبي صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ زَرْعٍ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا ثِمَارٍ عَلَى الْأَشْجَارِ وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ إِلَّا عَلَيْهَا مَكْتُوبٌ بِسْمِ الله الرحمن الرحيم رزق فلان بن فُلَانٍ"
قال مكي أبي طالب
إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ﴾ وهو اللوح المحفوظ، مرسوم فيه عدده ووقته في اخضِراره ويُبسِه وسقوطه. وكل ذلك عن علم الله غيرُ خارج، وإنما أثبتت في اللوح امتحاناً لحَفَظَة الخلق. فقد روي أنهم مأمورون بكتابة أعمال العباد، ثم يَعرِضها على ما أثبته تعالى في اللوح المحفوظ.
كَما قالَ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ما أصابَ مِن مُصِيبَةٍ في الأرْضِ ولا في أنْفُسِكم إلا في كِتابٍ مِن قَبْلِ أنْ نَبْرَأها
تحت الصخرة في أسفل الأرضين وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وما تَسْقُطُ مِن ورَقَةٍ﴾ قالَ: لِلَّهِ تَبارَكَ وتَعالى شَجَرَةٌ تَحْتَ العَرْشِ لَيْسَ مَخْلُوقٌ إلّا لَهُ فِيها ورَقَةٌ فَإذا سَقَطَتْ ورَقَتُهُ خَرَجَتْ رُوحُهُ مِن جَسَدِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وما تَسْقُطُ مِن ورَقَةٍ إلّا يَعْلَمُها﴾ .
عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ﴿وما تَسْقُطُ مِن ورَقَةٍ إلّا يَعْلَمُها﴾ قالَ: ما مِن شَجَرَةٍ في بَرٍّ بَحْرٍ إلّا وبِها مَلَكٌ يَكْتُبُ ما يَسْقُطُ مِن ورَقِها
قال الآلوسي
والمُرادُ مِن ظُلُماتِ الأرْضِ بُطُونُها وكَنّى بِالظُّلْمَةِ عَنِ البَطْنِ لِأنَّهُ لا يُدْرَكُ فِيهِ كَما لا يُدْرَكُ في الظُّلْمَةِ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما المُرادُ ظُلُماتُ الأرْضِ ما تَحْتَ الصَّخْرَةِ في أسْفَلِ الأرَضِينَ السَّبْعِ أوْ تَحْتَ حَجَرٍ أوْ شَيْءٍ،
الزَّجّاجُ فَقَدْ قالَ: إنَّهُ تَعالى أثْبَتَ المَعْلُوماتِ في كِتابٍ مِن قَبْلِ أنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ كَما قالَ سُبْحانَهُ: ﴿إلا في كِتابٍ مِن قَبْلِ أنْ نَبْرَأها﴾، وفي رِوايَةٍ لِمُسْلِمٍ «إنَّ اللَّهَ تَعالى كَتَبَ مَقادِيرَ الخُلُقِ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ السَّماءَ والأرْضَ بِخَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ»
قال الآلوسي
وذَلِكَ لِأنَّ الحَبَّةَ تَكُونُ في غايَةِ الصِّغَرِ، وظُلُماتُ الأرْضِ يَخْفى فِيها أكْبَرُ الأجْسامِ وأعْظَمُها
فكل صغير وكبير محسوس وغير محسوس مرئي وغير مرئي جزئي وكلي مكتوب في اللوح المحفوظ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ
قال البقاعي
إلا في كِتابٍ مُبِينٍ﴾ أيْ: مُوَضِّحٍ لِأحْوالِهِ وأعْيانِهِ وكُلِّ أُمُورِهِ وأحْيانِهِ، فَثَبَتَ أنَّهُ فاعِلٌ لِجَمِيعِ العالَمِ بِجَواهِرِهِ وأعْراضِهِ عَلى سَبِيلِ الإحْكامِ والإتْقانِ؛ لِأنَّهُ وحْدَهُ عالِمٌ بِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ، ومَن اخْتَصَّ بِعِلْمِ جَمِيعِ المَعْلُوماتِ كانَ مُخْتَصًّا بِصُنْعِ جَمِيعِ المَصْنُوعاتِ قادِرًا عَلى جَمِيعِ المَقْدُوراتِ.
قول الحسن: (يكتبه الله رطبًا، ويكتبه يابسًا، لتعلم يا ابن آدم أن عملك أولى بالإحصاء)
اسماء اللوح المحفوظ
اللوح المحفوظ (في لوح محفوظ)
كتاب مبين (ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين)
(امام مبين وكل شيء احصيناه في امام مبين )
كتاب مكنون (في كتاب مكنون)
الذكر (أفنضرب عنكم الذكر صفحا)
فيفتح الذكر
ولقد كتبنا في الزبور من
أم الكتاب (وانه في ام الكتاب لدينا لعليم حكيم )
امام (يوم ندعوا )
الكتاب (ووضع الكتاب)
زبر ( وكل شيء فعلوه في الزبر )
صحف مكرمة
(فمن شاء ذكره في صحف مكرمة )
عن ابي سعيد الخدري
لقد رايتني في المنام كاني اكتبت سورة ص فاتيت على السجدة فسجد كل شي رايته اللوح والدواة والقلم فاتيت النبي فامر بالسجود فيها
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ الْجَرْمِيِّ؛ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقُولُ: اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مَلَكِ الشَّمْسِ. فَيُكْثِرُ ذَلِكَ، فَاسْتَأْذَنَ مَلَكُ الشَّمْسِ رَبَّهُ أَنْ يَنْزِلَ إِلَى الْأَرْضِ فَيَزُورَهُ، فَنَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ أَتَى الرَّجُلَ، فَقَالَ: إِنِّي سَأَلْتُ اللهَ النُّزُولَ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ أَجْلِكَ؛ فَمَا حَاجَتُكَ؟ فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ صَدِيقٌ لَكَ، فَاسْأَلْهُ أَنْ يُنْسِئَ فِي أَجَلِي وَيُخَفِّفَ عَنِّي الْمَوْتَ. قَالَ: فَحَمَلَهُ مَعَهُ، فَأَقْعَدَهُ مَقْعَدَهُ مِنَ الشَّمْسِ، وَأَتَى مَلَكَ الْمَوْتِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ. فَنَظَرَ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي اللَّوْحِ مَعَهُ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَا يَمُوتُ حَتَّى يَقْعُدَ مَقْعَدَكَ مِنَ الشَّمْسِ. قَالَ: فَقَدْ قَعَدَ مَقْعَدِي مِنَ الشَّمْسِ. فَقَالَ: فَقَدْ {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يفرطون} [الأنعام: 61] ؛ فَرَجَعَ مَلَكُ الشَّمْسِ فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ.
، حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ، قَالَ: " أَقْرَبُ الْخَلْقِ مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اللَّوْحُ، وَهُوَ مُعَلَّقٌ بِالْعَرْشِ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُوحِيَ بِشَيْءٍ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ، فَيَجِيءَ اللَّوْحُ حَتَّى يَقْرَعَ جَبْهَةَ إِسْرَافِيلَ، وَإِسْرَافِيلُ قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِجَنَاحِهِ أَوْ جَنَاحَيْهِ، لَا يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِعْظَامًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَنْظُرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ دَفَعَهُ إِلَى مِيكَائِيلَ، وَإِنْ كَانَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ دَفَعَهُ إِلَى جِبْرِيلَ، فَأَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اللَّوْحُ، يُدْعَى بِهِ، تَرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: إِسْرَافِيلُ، فَيُدْعَى إِسْرَافِيلُ تَرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغَكَ اللَّوْحُ؟، فَإِذَا قَالَ إِسْرَافِيلُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ اللَّوْحُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانِي مِنْ سُوءِ الْحِسَابِ "
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَوَدِدْتُ أَنَّ عِنْدِي رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْقَدَرِ فَوَجَأْتُ رَأْسَهُ قَالُوا وَلِمَ ذَاكَ قَالَ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خلف لَوْحًا مَحْفُوظًا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ دَفَّتَاهُ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ
، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى لَوْحًا مَحْفُوظًا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ صَفْحَاتِهَا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، قَلَمُهُ نُورٌ، وَكِتَابُهُ نُورُ، لِلَّهِ فِيهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ لَحْظَةً، يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَيُحْيِي وَيُمِيتُ، وَيُعِزُّ وَيُذِلَّ، وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ».
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " أَوَّلُ شَيْءٍ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعَرْشَ مِنْ نُورٍ، ثُمَّ الْكُرْسِيَّ، ثُمَّ لَوْحًا مَحْفُوظًا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، دَفَّتَاهُ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ،
عَنِ ابْن عَبَّاس، قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، الْقُرْآنَ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ أَنْزَلَهُ جِبْرِيلُ بَعْدُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ فِيهِ مَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ وِرْدًا عَلَيْهِمْ
عَنْ أَبِي يَزِيدَ قَالَ: " أَشَدُّ الْمَحُجُوبِينَ عَنِ اللَّهِ , ثَلَاثَةٌ بِثَلَاثَةٍ فَأَوَّلُهُمُ الزَّاهِدُ [ص:37] بِزُهْدِهِ وَالثَّانِي الْعَابِدُ بِعِبَادَتِهِ وَالثَّالِثُ الْعَالِمُ بِعِلْمِهِ ثُمَّ قَالَ: مِسْكِينٌ الزَّاهِدُ قَدْ أَلْبَسَ زُهْدَهُ وَجَرى بِهِ فِي مَيْدَانِ الزُّهَّادِ وَلَوْ عَلِمَ الْمِسْكِينُ أَنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا سَمَّاهَا اللَّهُ قَلِيلًا فَكَمْ مَلَكَ مِنَ الْقَلِيلِ وَفِي كَمْ زَهِدَ مِمَّا مَلَكَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الزَّاهِدَ هُوَ الَّذِي يُلْحَظُ إِلَيْهِ بِلُحْظَةٍ فَيَبْقَى عِنْدَهُ ثُمَّ لَا تَرْجِعُ نَظْرَتُهُ إِلَى غَيْرِهِ وَلَا إِلَى نَفْسِهِ , وَأَمَّا الْعَابِدُ فَهُوَ الَّذِي يَرَى مِنَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْعِبَادَةِ أَكْثَرَ مِنَ الْعِبَادَةِ حَتَّى تُعْرَفَ عِبَادَتُهُ فِي الْمِنَّةِ , وَأَمَّا الْعَالِمُ فَلَوْ عَلِمَ أَنَّ جَمِيعَ مَا أَبْدَى اللَّهُ مِنَ الْعِلْمِ سَطْرٌ وَاحِدٌ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَكَمْ عَلِمَ هَذَا الْعَالِمُ مِنْ ذَلِكَ السَّطْرِ وَكَمْ عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ لَأَدْرَكَ حَقَارَتَهُ، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ يُذْكَرُ بِالنِّسْبَةِ لِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ "
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُنَاجِيهِ، إِذِ انْشَقَّ أُفُقُ السَّمَاءِ فَأَقْبَلَ جِبْرِيلُ يَتَضَاءَلَ، وَيَدْخُلُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ، وَيَدْنُو مِنَ الْأَرْضِ، فَإِذَا مَلَكٌ قَدْ مَثُلَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وُيُخَيِّرُكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ نَبِيًّا مَلَكًا، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ نَبِيًّا عَبْدًا ". قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَشَارَ [ص:316] جِبْرِيلُ إِلَيَّ بِيَدِهِ أَنْ تَوَاضَعْ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ نَاصِحٌ، فَقُلْتُ: عَبْدًا نَبِيًّا "، فعَرَجَ ذَلِكَ الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلْتُ: " يَا جِبْرِيلُ، قَدْ كُنْتَ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا فَرَأَيْتُ مِنْ حَالِكَ مَا شَغَلَنِي عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَمَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا إِسْرَافِيلُ خَلْقهُ اللهُ يَوْمَ خَلْقَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَافِنًا قَدَمَيْهِ لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّبِّ سَبْعُونَ نُورًا، مَا مِنْهَا نُورٌ يَدْنُو مِنْهُ إِلَّا احْتَرَقَ بَيْنَ يَدَيْهِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، فَإِذَا أَذِنَ اللهُ فِي شَيْءٍ مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ فِي الْأَرْضِ ارْتَفَعَ ذَلِكَ اللَّوْحُ يَضْرِبُ جَبِينَهُ، فَيَنْظُرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِي أَمَرَنِي بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِ مِيكَائِيلَ أَمَرَهُ بِعَمَلِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِ مَلَكِ الْمَوْتِ أَمَرَهُ بِهِ
عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ لَهُ: وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنَ الْقَدَرِ فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ لَعَلَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يُذْهِبَهُ مِنْ قَلْبِي، فَقَالَ: " لَوْ أَنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ، وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ، وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ أَنْفَقَتْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا تَقَبَّلُهُ اللهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، ولَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ ". قَالَ: ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَقَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ [ص:354] ذَلِكَوَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَغَيْرِهِ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ نَحْوَ ذَلِكَ. " وَفِي ذَلِكَ بَيَانٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ كُلَّ مَقْدُورٍ، فَاللهُ قَادِرُهُ وَأَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَإِنْ كَانَا ضِدَّيْنِ فَإِنَّ قَادِرَهُمَا وَاحِدٌ وَلَيْسَ قَادِرُ الشَّرِّ غَيْرَ قَادِرِ الْخَيْرِ كَمَا تَقُولُهُ الثَّنَوِيَّةُ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِيمَانَ بِالْقَدَرِ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ فَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ ثُمَّ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى عَلِمَ فِي الْأَزَلِ مَا يَكُونُ مِنْ عِبَادِهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، ثُمَّ أَمَرَ الْقَلَمَ فَجَرَى فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ بِمَا عَلِمَ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12]، وَقَالَ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ، وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22]، وَقَالَ: {كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الإسراء: 58] "
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسٌ بِالشَّامِ فِي قُبَّةٍ لَيْسَ عَلَيْهَا بَابٌ إِلَّا كِسَاءٌ مُسْبَلٌ إِذْ أَنَا بِامْرَأَةٍ تَدُقُّ عَلَى الْحَائِطِ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَتِ: امْرَأَةٌ ضَالَّةٌ دُلَّنِي عَلَى الطَّرِيقِ - رَحِمَكَ اللهُ - فَقُلْتُ: عَنْ أَيِ الطَّرِيقَيْنِ تَسْأَلِينَ؟ فَبَكَتْ ثُمَّ قَالَتْ: عَنْ طَرِيقِ النَّجَاةِ فَقُلْتُ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لَا يُقْطَعُ ذَاكَ الطَّرِيقُ، إِلَّا بِالسَّيْرِ الْحَثِيثِ فِي الْجَدِّ وَتَصْحِيحِ الْمُعَامَلَةِ وَحَذْفِ الْعَلَائِقِ الشَّاغِلَةِ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَبَكَتْ ثُمَّ قَالَتْ: أَمَّا عَلَائِقُ الدُّنْيَا فَفَهِمْتُهَا فَمَا عَلَائِقُ الْآخِرَةِ؟ فَقُلْتُ: لَوْ وَافَيْتِ الْقِيَامَةَ بِعَمَلِ سَبْعِينَ نَبِيًّا لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلَّا مَا كُتِبَ لَكَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَإِنَّ لِجَهَنَّمَ زَفْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَوْ كَانَ مَعَكِ عَمَلُ سَبْعِينَ نَبِيًّا مَا كَانَ بُدٌّ مِنْ أَنْ تَرِدِيهَا. قَالَ: فَصَرَخَتْ ثُمَّ قَالَتْ: " سُبْحَانَ مَنْ صَانَ عَلَيْكَ جَوَارِحَكَ فَلَمْ تَتَقَطَّعْ سُبْحَانَ مَنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ قَلْبَكَ فَلَمْ يَتَصَدَّعْ ثُمَّ سَقَطَتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا
قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، قُلْتُ: أَفَاعِيلُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ؟ قَالَ: " نَعَمْ، مُقَدَّرَةٌ عَلَيْهِمْ بِالشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ، قُلْتُ لَهُ: الشَّقَاءُ وَالسَّعَادَةُ مَكْتُوبَانِ عَلَى الْعَبْدِ؟ قَالَ: نَعَمْ سَابِقٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ، وَهُمَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ، وَالشَّقَاءُ وَالسَّعَادَةُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ» ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: «الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالسَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ بِغَيْرِهِ» ، قَالَ: وَكَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى آدَمَ أَنَّهُ يُصِيبُ الْخَطِيَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ، قُلْتُ: فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعِبَادَ بِالطَّاعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَكَتَبَ عَلَيْهِمُ الْمَعْصِيَةَ لِإِثْبَاتِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَيُعَذِّبُ اللَّهُ الْعِبَادَ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ. وَقَالَ: قَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21] وَقَوْلُهُ {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ
وَسَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ؟ قَالَ: نُؤْمِنُ بِهِ، وَنَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَنَا لَمْ يَكُنْ يُخْطِئُنَا، وَمَا أَخْطَأَنَا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَنَا، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدَّرَ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَهُوَ سَابِقٌ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، الشَّقَاءُ وَالسَّعَادَةُ مَكْتُوبَانِ عَلَى ابْنِ آدَمَ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ، وَنَحْنُ فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ
عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:
"لمَّا قَضَى اللهُ الخَلْقَ؛ كَتَبَ في كتابِهِ (وفي طريقٍ: إنَّ اللهَ كَتَبَ كِتاباً قبلَ أنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ 8/ 216) [هو يكتُبُ على نفسِهِ 8/ 171]، فهو عندَهُ فوقَ العرشِ: إنَّ رَحْمَتي غَلَبَتْ (وفي طريق: سَبَقَتْ) غَضبي"
وَفِي رِوَايَةٍ: " نَزَلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَنَجَّمَتْهُ السَّفَرَةُ عَلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِشْرِينَ سَنَةً , وَنَجَّمَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة: 75] يَعْنِي نُجُومَ الْقُرْآنِ {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة: 76] , قَالَ: فَلَمَّا لَمْ يَنْزِلْ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُمْلَةً قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} [الفرقان: 32] قَالَ اللَّهُ: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ أَنْزَلَهُ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ فِيهِ مَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ وَرَدَّهُ عَلَيْهِمْ»
قَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ: وَيْحَكَ يَا كَعْبُ، حَدِّثْنَا حَدِيثًا مِنْ حَدِيثِ الْآخِرَةِ، قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ رُفِعَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ إِلَّا وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى عَمَلِهِ فِيهِ، قَالَ: ثُمَّ يُؤْتَى بِالصُّحُفِ الَّتِي فِيهَا أَعْمَالُ الْعِبَادِ، قَالَ فَتُنْشَرُ حَوْلَ الْعَرْشِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ
وَأَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَفْصٍ عَمْرَو بْنَ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ مُعَاذٍ، وَذَكَرَ قِصَّةَ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ: إِنْ كَانَتْ تَبَّتْ يَدَا أَبِي [ص:916] لَهَبٍ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، فَمَا عَلَى أَبِي لَهَبٍ مِنْ لَوْمٍ، قَالَ أَبُو حَفْصٍ: فَذَكَرْتُهُ لِوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ فَقَالَ: «مَنْ قَالَ بِهَذَا يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتُ عُنُقُهُ»
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ كَمَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ، فَقَالَ لِلْقَلَمِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ وَهُوَ عَلَى الْعَرْشِ: اكْتُبْ عِلْمِي فِي خَلْقِي، فَجَرَى بمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "
عَنْ مُقَاتِلٍ , فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَعْنِي: " مَنْ قَلَّ عُمْرُهُ أَوْ كَثُرَ فَهُوَ يَنْتَهِي إِلَى أَجَلِهِ الَّذِي كُتِبَ لَهُ , ثُمَّ قَالَ: {وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} [فاطر: 11] كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى أَجَلِهِ {إِلَّا فِي كِتَابٍ} [فاطر: 11] يَعْنِي: فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَكْتُوبٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَهُ "
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَقَلْتُ نَاقَتِي بِالْبَابِ، فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ: «اقْبَلُوا البُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ»، قَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، فَقَالَ: «اقْبَلُوا البُشْرَى يَا أَهْلَ اليَمَنِ، إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ»، قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالُوا: جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ [ص:106] عَنْ هَذَا الأَمْرِ؟ قَالَ: «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ» فَنَادَى مُنَادٍ: ذَهَبَتْ نَاقَتُكَ يَا ابْنَ الحُصَيْنِ، فَانْطَلَقْتُ، فَإِذَا هِيَ يَقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ، فَوَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ تَرَكْتُهَا،
عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «أَوَّلُ مَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ»
عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أول شيء كتبه الله في اللوح المحفوظ بسم الله الرحمن الرحيم إني أنا الله لا إله إلا أنا لا شريك لي إنه من استسلم لقضائي وصبر على بلائي ورضي لحكمي كتبته صديقا وبعثته مع الصديقين يوم القيامة.
والله عبد الله ابن عباس ثنا والله علي بن أبي طالب أنا والله أبو بكر الصديق قال سمعت والله من حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم قال سمعت والله من جبريل قال سمعت والله من ميكائيل قال سمعت والله من إسرافيل قال سمعت والله من الرقيع قال سمعت والله من اللوح المحفوظ قال سمعت والله من القلم قال سمعت والله الرب تبارك وتعالى يقول إني أنا الله لا إله إلا أنا فمن آمن بي ولم يؤمن بالقدر خيره وشره فليلتمس ربا غيري فلست له برب.
قال الله عز وجل يا جبريل إني خلقت ألف ألف أمة لا تعلم أمة أني خلقت سواها لم أطلع عليها اللوح المحفوظ ولا صرير القلم إنما أمري لشيء إذا أردت أن أقول له كن فيكون ولا تسبق الكاف النون.
#الديلمي - عن ابن عمر