نحن في رحلة إلى الله عزَّ وجل، لا تُقطع بالسيارة ولا بالطائرة، وإنما تُقطع بالقلب، ومن هنا وجَبَ الاهتمامُ به وصيانتُه ورعايتُه ومدُّهُ بالغذاء الذي أنزله الله له. القلبُ هو اللطيفة الربانية، وهي سرُّ الله في الإنسان، وعليها مدار التكريم، فالإنسان نفخةٌ من روح وقبضةٌ من تراب.. قال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر:29]، وجاء في معظم ألفاظ القرآن ما يشير إلى أن القلبُ بمثابةِ البطاريةِ التي منها يستمدُّ محرِّكُ السيارة الطاقةَ والقدرةَ على الحركة.
نحن في رحلة إلى الله عزَّ وجل نحن في رحلة إلى الله عزَّ وجل نحن في رحلة إلى الله عزَّ وجل
يقول واحد من الذين لا يؤمنون إلا بالمادة، ولا يصدقون إلا بالمحسوس: دخلنا غرفة التشريح، حيث الجسد الآدمي ممددًا على السرير، وأخذ أستاذ التشريح يشرح لنا كيفيةَ إتصال كل عضو بالآخر، وأخذ الطلاب يتابعون الأستاذ.. أما أنا فكنت أبحث عن شيءٍ آخرَ وهو الروح أين الروح؟! أهي في الدماغ؟! فلم أجد إلا مادةً هلاميةً.. أهي في القلب؟! لم أجد إلا عضلةً من العضلات.. أهي في الدم؟! تلك بقايا الدم ليس فيها من الروح شيء!
ونقول لهذا المادِّي: مثلُك كمثل من جاء إلى بطاريةٍ مشحونةٍ بالكهرباء، فأخذ يكسرها كي يجد الكهرباء!! وعندما لم يجد شيئًا أخذ يجمع ما كسرَه، ويقول أنا لا أؤمن إلا بما رأته عيني، وما لمسته يدي، ولم أعثر على الكهرباء.. لم أجد سوى هذه الأجزاء المعدنية، وقد يسمعه البعض ممن يفهمون شيئًا عن الكهرباء فيقولون له: لقد أخطأتَ في الحكمِ، فطبيعة الكهرباء أنها لا تُرى، لكنَّ آثارَها ظاهرةٌ واضحةٌ، وقد يسمع هذا الحوار مؤمنٌ بالله فيردّ عليهما قائلاً: وهكذا الروح طبيعتُها أن تُحَسَّ آثارُها، ولا يُعرف كُنْهُها.
وهذا ما قرره القرآن حين سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الروح، ما هي؟ فكان الرد الحاسم: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85]، وهذا هو المنهج الأقوم أن يُجاب الناس عمَّا هم في حاجة إليه من غير تبديد لطاقتهم في بحث عن المجهول، الذي إختصَّ اللهُ بعلمه، فهي من أمر الله دون سواه.. يقول صاحب الظلال ج 15: {ولقد أبدع الإنسان في هذه الأرض ما أبدع، ولكنه وقف حصيرًا أمام ذلك السرِّ اللطيف -الروح- لا يدري ما هو، ولا كيف جاء، ولا كيف يذهب، ولا أين كان.. إلا ما يخبر به العليم الخبير في التنزيل.